Site icon IMLebanon

شعوب المنطقة ستُموّل حروب السنة الجديدة

لم يجانب الرئيس الأميركي باراك أوباما الحقيقة عندما أكد أنه «يمكن لإيران أن تصبح قوة إقليمية ناجحة اذا وافقت على إتفاق طويل الأمد يكبح برنامجها النووي». بَيد انه من الصواب القول ايضاً إنّ ما يعرضه عليها لم يأتِ من سماء صافية، حين كانت الدولتان في عزّ العداء.

ترميم العلاقات الأميركية – الإيرانية كان قد قطع شوطاً كبيراً، وعروض التعاون السري والعلني بينهما تكرّست منذ اتفاقهما على «تقاسم السلطة» في العراق، قبيل خروج القوات الأميركية منه عام 2011.

ولعلّ مسار المفاوضات النووية كرس ولا يزال كثيراً من تقاليد التعاون بينهما، في وقت تثبّت واشنطن مرجعيتها في تحديد حجم هذا الطرف الإقليمي او ذاك، ودوره في لعبة التوازنات.

البعض وصف عام 2014 بأنه عام «داعش»، في حين تظهر الوقائع بما لا يدع مجالاً للشك بأنه عام استعادة الولايات المتحدة مرجعيتها السياسية والدولية، سواء كانت مرغمة أو بإرادتها، او بطلب من الآخرين.

ولا يخفى على عدد كبير من المتابعين السياسيين انّ «المشاغبات» التي سعى اليها بعض الأطراف، كان هاجسها الأساس محاولة أصحابها التقرّب من تلك المرجعية وتقبّلها لها في كعكة المصالح الدولية.

هكذا يصف مصدر ديبلوماسي حصيلة العام الذي ينتهي اليوم، ويقول إنّ اللوحة الدولية باتت واضحة جداً بعد الاتهامات التي وجهت الى إدارتها «المترددة وغير الحاسمة».

دولياً، انتهى العام على أزمة غير مسبوقة سياسياً وإقتصادياً دخلتها روسيا، فيما الأحلاف الإقليمية عادت لتنتظم تحت سقف «الرؤية» الأميركية، من آسيا الى أميركا اللاتينية.

كوبا التي تستعدّ للخروج من عزلتها الدولية، قد تُشكّل مثالاً يحتذى للعلاقات المقبلة مع أطراف أكبر أو أصغر منها. وما ينبغي التنبّه له أنّ سياسات «الإخضاع» السابقة التي مارستها واشنطن، سواء بالقوة العسكرية او غيرها، إنتهت لمصلحة سياسات بديلة اكتسبت قوتها من «العولمة» نفسها التي حولت العالم قرية كونية كبرى.

ويؤكد المصدر نفسه أنّ تشديد أوباما على حاجة الولايات المتحدة لإنفاق تريليون دولار على مشاريع تطوير بناها التحتية ومشاريع الأبحاث المتقدمة، بدلاً من إنفاقها في الحرب على «داعش»، يتوافق مع الوجهة التي باتت تتحكم بسلطة القرار الأميركي، سواء في الجهاز السياسي او العسكري او في المجمّعات الصناعية والعلمية.

سيطرة الولايات المتحدة لم تعد مرهونة فقط بقوتها العسكرية التي ستبقى حتى أمد طويل متفوّقة على الآخرين، بل بقدرتها على قيادة المجتمع الدولي وفق أهدافها ومصالحها التي تلتقي وتتشارك بالتأكيد مع قوى دولية أخرى.

إعلان أوباما عدم الإستعداد لإنفاق المليارات على الحروب يقود الى الحديث عن الملفات الإقليمية، حيث يكشف بنفسه انّ الحدود التي ستصلها واشنطن في تلك الحروب لن تتجاوز ما يعتبره حيوياً للأمن القومي الأميركي.

وفي هذا ما يدعو الى التبصر بأنّ الأزمات الإقليمية المندلعة في منطقتنا، قد لا تجد حلولاً سريعة لها، طالما أنه لا يزال في الإمكان إبعادها من البرّ الأميركي.

الأزمة العراقية لن تحلّ في معزل عن واشنطن، على رغم الخطابات النارية والإدعاءات التي تحاول تصوير الأمر خلاف ذلك، فيما «داعش» قد ينهزم ويتراجع ليحتمي في سوريا.

غير انّ ذلك لا يعني أنّ حلّها سيحصل بين ليلة وضحاها. فتورّط القوى الإقليمية فيها كبير وعميق، والجميع يطلب المساعدة الأميركية في إدارة النزاع في هذا البلد وحوله، من إيران إلى تركيا إلى الدول الخليجية.

اما في سوريا، فلا أفق حقيقياً للحل فيها، في وقت تسعى أطراف عدّة الى حجز موقعها وحصّتها فيها. هكذا تبدو المبادرة الروسية التي لن تخرج عن سياق محاولات موسكو للإبقاء على سياساتها الإقليمية حية، فيما تجهد لتنظيم تراجعها الدولي والإقليمي بأقل قدر ممكن من الخسائر.

الحروب المندلعة في كلّ مكان ستتحوّل جمراً يحرق أصابع المتورطين فيها، يدفعون كلفتها ويموّلونها من جيوبهم مباشرة وليس من واشنطن على ما قاله أوباما صراحة.

وحتى ذاك الحين، من قال إنّ العالم مستعجلّ لإطفاء حرائقنا طالما انها ستبقى في حواضرنا؟ وحدها إسرائيل ستبقى خطاً أحمر لأنها الثابتة الوحيدة في السياسات الغربية والأميركية، حتى ولو نجح الفلسطينيون في إنتزاع قرار أممي ينهي احتلال أرضهم بعد ثلاث سنوات، على رغم صعوبة تمريره حتى الساعة.