كلمة جديدة دخلت قاموسنا السياسي والوطني، وباتت على كل شفة ولسان من الزعيم السياسي الى المواطن العادي. إنها «المواصفات» و»الأوصاف».
فمنذ اسابيع وكل من هاتين الكلمتين تتردّد باستمرار. وبلغ الأمر ذروته مع إستئناف جلسات الحوار الوطني في مقر مجلس النواب في ساحة النجمة منذ يوم أول من أمس الثلاثاء.
فأهل الحوار حرصاء على «مواصفات» و /أو «أوصاف» الرئيس الموعود. وكلام الفريقين الرئيسين (14 و8 آذار) يلتقي عند هذه اللفظة، ثم يختلفان على الإسم ومن ثم «يزدهر» الخلاف بينهما على كل شيء… أجل كل شيء. حتى ليصحّ في الفريقين أنه لو قال أحدهما بالأبيض وصفاً للون أحد الأشياء لقال الآخر بأنه أسود، ولو كان الإثنان يحدقان في الشيء ذاته.
وإننا هنا… منذ سنوات عديدة… فالبلد واقف عند هذا الخلاف الذي لا نعرف كيف سيتم التوصل الى حله.
فإذا وضع فريق 8 آذار للرئيس صفة «القوي» فسرّها بأنه من يملك حيثية شعبية تخوّله أن يكون نداً للقوي في رئاسة المجلس النيابي وللقوي في رئاسة الحكومة. وفي الوقت ذاته يرى فريق 14 اذار إن «القوي» هو القادر على أن يشكل نقطة تقاطع بين الأطراف كلها من دون إستثناء.
وبقينا ندور في الحلقة المفرغة التي تعكس فراغاً موجعاً في العقل اللبناني الذي كان، ذات يوم، عقلاً خلاقاً يبتكر الحلول الفذّة لمعضلات تبدو من دون حلول.
وفي هذا السياق يمتد الفراغ ليتزاوج مع العجز الذي يتخبط فيه الأفرقاء جميعهم الذين استطابوا التخلي عن مسؤولياتهم، كما استمرأوا الإرتهان الى الخارج فالإلتزام بالقرار الخارجي.
وقد جاءت الأحداث المؤلمة الدامية في سوريا لتحول دون أي توافق خارجي إقليمي ودولي على المسألة الرئاسية في لبنان، فبدا العجز في أعلى مراتبه وأبشع صوره. فإذا الجماعة غير قادرين على القرار، وإذا بهم ينتظرون طويلاً «التعليمات»، بل «التوجيهات» التي لم تأت حتى الآن إلاّ سلبية: فمرجعية أحد الطرفين تأمر ألاّ يكون هذا أو ذاك رئيساً.
ومرجعية الطرف الآخر تأمر ألا يكون (في المقابل) هذا أو ذاك رئيساً… أي ان التوجيهات سلبية ولم تصبح إيجابية بعد… أي لم تبلغ بعد حدّ التسمية: نريد أن تنتخبوا فلاناً من هنا أو علاناً من هناك… لأن الخارج الإقليمي لم يتوصل بعد مع الخارج الإقليمي الآخر الى إسم معين تتقاطع مصالحهما عنده.
ناهيك بالخارج الأبعد الممتد من واشنطن الى موسكو وما بينهما في باريس وسواها، باستثناء حاضرة الڤاتيكان التي تتفرّد في أنها الوحيدة التي تستعجل إنجاز الإستحقاق الرئاسي في لبنان. ولكن ليس في يد فرنسيس الأول حيلة حتى الآن!
وحتى ذلك الحين سيكون علينا أن ننتظر طويلاً… لأن الإتفاق الداخلي على تحديد المواصفات لايزال بعيداً…
… و»كامل الأوصاف» هو أيضاً بعيد… وأما الفراغ الرئاسي فمقيم عندنا الى ما شاء الخارج!