أمر لافت أن تعود المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي إلى التأكيد على بديهة ارتباط الحل السياسي «الدائم» للنكبة السورية بزوال حكم بشار الأسد.. وعدم إحلال النفوذ الإيراني محل «داعش» بعد هزيمته.
وهايلي في ذلك، تُعيد «نشر» موقف رئيسها وزير الخارجية ريكس تيلرسون الذي قاله في موسكو بعد لقائه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في أول زيارة رسمية إليها غداة تعيينه… وكانت جملته الأثيرة آنذاك «إن حكم آل الأسد انتهى» برقية ومناقضة لمطوّلات اللغو الفارغ، المخادع والمناور، الذي اعتمده سلفه جون كيري باسم رئيسه السيّئ الذكر باراك أوباما.
والتركيز الأميركي على ربط الحل الأخير برحيل سلطة، أو بقايا سلطة الرئيس السوري السابق بشار الأسد، يعني أن التفاهم الراهن مع موسكو على تهدئة الأمور الميدانية وتوحيد «الجهود» باتجاه إتمام القضاء على «داعش»، لا يعني التفاهم على شروط الحل الدائم.. إلا إذا كانت واشنطن «مقتنعة» بأن واقعية القيادة الروسية، وتميّزها بالقدرة على التأقلم (السريع!) مع كل ما يخدم مصالحها، ثم تمكّنها من لعب دور الجسر العابر فوق حقول ألغام الحقائق المتنافرة في المنطقة.. ذلك وغيره سيدفعها في النتيجة إلى الطَرْق على أبواب المنطق القائل بأنّ ضرب الإرهاب والإبقاء على الأسد والنفوذ الإيراني هو شيء يشبه علك الهواء.. إذا كان ذلك متيسراً!
وذلك يفسّر جانباً من الموقف الأميركي الذي يدلّ عليه تصريحا تيلرسون وهايلي.. مثلما يدلّ على الثقة التي تحرّك ذلك الحسم القاطع في وضوحه إزاء «لا مستقبل للأسد» في أي حل دائم!
لكن الواضح في المقابل، أن موسكو «البراغماتية» تقضم وتهضم! وتراهن (مثل غيرها!) على تضعضع الثقة بثبات الأميركيين عند مواقفهم! ووعودهم! وسياساتهم! وتميّزهم، هم أكثر من الروس، بالقدرة على التأقلم مع «حقائق» الأرض، خصوصاً إذا كانت «قضية» هذه الأرض لا تعني لهم الكثير تكتيكياً واستراتيجياً، مثلما هو الحال في سوريا! وهي تتصرف بدقّة وفق ذلك القياس وتراكم المكتسبات.. ولكل ساعة ملائكتها!
حكت (موسكو) طويلاً وعلى مدى سنوات النكبة عن «الحل السياسي» وشروطه وتفاصيله لكنها تصرّفت ميدانياً على إنضاج «الحل العسكري». وحكت وتحكي كثيراً عن ضرب «الإرهاب» لكنّها تصرّفت ولا تزال تتصرّف وفق منطق ضرب كل المعارضة السورية ومن دون استثناء أو تمييز!… جهدت لوضع اتفاقات آستانة و«المناطق الآمنة» لكنها تتصرف وتترك الإيرانيين يتصرّفون، وكأنّ لا آستانة ولا أمان، خصوصاً في إدلب ونواحيها وفي الغوطة الدمشقية الشرقية، أو ما تبقى منها!
.. وهي وحدها حتى الآن، تمكنت من «ترضية» الجميع، على حساب شعب سوريا: أعطت الأتراك شيئاً من الشمال والأمن لحدودهم! وأعطت الإسرائيليين شيئاً من الجنوب والأمن لاحتلالهم! وأعطت الإيرانيين شيئاً من دوام «نفوذهم» في دمشق ومحيطها والمناطق المحاذية للحدود اللبنانية! ووضعت بقايا السلطة الأسدية تحت رحمتها التامة في كل مناطقها بدءاً من الساحل الشمالي وأرياف اللاذقية وطرطوس وغيرها! و«أعطت» الأميركيين سلسلة من التفاهمات الموضعية والتكتيكية بما في ذلك حماية المكوّن الكردي!.. ثم فوق ذلك كله، خردقت المعارضة وحاولت وتحاول تشليحها حصرية التحدث باسم المكوّن الأكثري السوري!
واشنطن «تقول»، على لسان تيلرسون وهايلي إن الموقّت غير الدائم، لكن موسكو «تتصرّف» على أساس أنّ الموقّت دائم.. الى أن تحصل على الثمن الملائم!