تدور ماكينة الممانعة الإعلامية والسياسية على كيفها: ليست معنية سوى بإدامة التعبئة الاستنفارية العدائية عند جمهورها، وإبقائه في دائرة «الانتصارات الالهية«، متوسّلة في ذلك، كل جهد ممكن وصولاً الى إعدام المنطق في أبسط مراتبه، وإشاعة التخريف باعتباره حقائق لا تُبادَل.
وذلك نسق هيّاج، جرّبه شموليون كثر قبل «حزب الله» وإيران، في المنطقة العربية وحولها وفي العالم بالإجمال، ولم يوصل، (في كل مرة) سوى إلى كوارث تامة ومكتملة المواصفات، ذاتية وعامة.
وخطورة ذلك النوع من التحشيد والتعبئة تكمن في التركيز المكثف على الغريزة وعلى إبقائها مشتعلة وفوّارة وفي حاجة مستمرة إلى الإشباع.. إلى مَدَد انتصاري ما، أو الى عدو ما، أو الى قضية تهون من أجلها الأرواح والأوطان. وتُهتك في سبيلها مقومات العقل وإفرازاته الجدالية والنقاشية والحسابية والسؤالية بحيث تُرمى هذه كلها جانباً وتنحّى تحت وطأة الأجندة الجامعة التي هي في بداية النص وآخره، عصبية خالصة تقوم على المذهب وتدّعي احتكار الرضى الإلهي التام!
وفي خطورة ذلك الأداء، أنه لا يتورّع عن خداع أهله وناسه، طالما لا يهمه الآخر وغير معني به أصلاً، سوى من زاوية مدى ملاءمته لمرتبة العداء، أو مدى تمتعه بمواصفات الهدف الجذّاب الذي يمكن استخدامه بنجاح في حقول الرمي التعبوية.
معضلة الآخر مع ذلك الأداء، منذ بدء اشتعال خطابه وممارساته وعدائيته، تكمن في أن هذا الآخر كان يجادل من موقع النظير أو الضدّ الذي يفترض وجوب تسفيه الحجة الهشة بالحقيقة الدامغة. وتصويب أو تصحيح المفاهيم المغلوطة التي تطرح في وجهه، في حين أن ذلك، هو آخر همّ من هموم أنصاف الآلهة الممانعين الذين قالوا ويقولون باستمرار ووضوح «وشفافية» إنهم غير معنيين، لا من قريب ولا من بعيد بما يقوله الآخرون. أو بآرائهم أو بأطروحاتهم أو بسياساتهم.. وسمع ذلك اللبنانيون وغيرهم، مرات ومرات على مدى السنوات الماضية.
أي باختصار لا بد منه: «حزب الله» لا يُجادل الآخرين. ولا يناقشهم. ولا يطلب رأيهم. بل معني فقط بـ»إعلان» قراراته ومواقفه ثم «شرحها« لجمهوره فقط.. وبالتالي يُصْدَم «الأغيار» في كل مرة، من كثرة المغالطات التي يسمعونها. من شدّة الأنانية التي تُطرح فيها الأمور. ومن طول المسافة الفاصلة بين شأنهم (الذي هو شأن عام) وشؤون الحزب الحديدي وأجندته.
وذلك أداء محوره الذات المذهبية الموصولة بإيران ومصالحها وسياساتها وأوهامها المدمرة.. هكذا لا يهم «حزب الله» مثلاً أن ميشال سماحة مُدان بالصوت والصورة وباعترافاته الشخصية، بل يهمه أن سماحة جزء من محوره، ونقطة انتهى النقاش! ولا يهمه أن فايز كرم جاسوس إسرائيلي عتيق ومخضرم، بل يهمه أنه تابع لحليفه النائب ميشال عون، ونقطة انتهى النقاش! ولا يهمه أن يمسّ أعماق الحساسيات المحلية، على المستويات السياسية والوطنية والدينية والمذهبية من خلال مشاركته في ذبح الشعب السوري، بل يهمه أن بشار الأسد هو جزء من تركيبته بكل عناوينها!
تحت هذه المناحة، يمكن فهم كيف أن «حزب الله» يعتبر سماحة ضحية، وأن عناصره في القلمون «يتدربون» على عملية «اقتحام» الجليل الأعلى.. وأبعد من ذلك، كيف أن مسؤولاً إيرانياً يقف عند باب بشار الأسد في دمشق ويحمل في يده صورة طفل يمني مصاب، للتدليل بواسطتها على «الجرائم» السعودية في اليمن، ثم يتهم المملكة بما لا يليق تكراره من أوصاف لا تشرّف قائلها!
هكذا نوع من التعبئة يستفز «الأغيار« ويضرّ بهم مرحلياً.. لكن تبعاتها الكارثية «ثقافياً« على جمهور الممانعة، طويلة المدى واستراتيجية بالتأكيد!