Site icon IMLebanon

استمرار المآزق المسدودة: فالج لا تعالج!!

 

«لا يمكن التدخل بنجاح في بلد في حالة دائمة من عدم الإستقرار والمآزق المسدودة» كونداليزا رايس

لا يمكن التقليل من مخاطر المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان في ظل حالة إنعدام الوزن في السلطة، وهذا الشلل في مواقع القرار، والذي يُضاعف من تداعيات العجز المستمر عن إتخاذ القرارات المناسبة للتصدي لهذه الأزمة المصيرية الذي يتخبط فيها البلد من سنتين بالتمام والكمال.

 

لا يمكن السكوت عن هذا الإستخفاف الذي يبديه أهل السلطة في التعاطي مع مضاعفات أحداث عين الرمانة، وما سبقها من مواجهة مفتوحة بين حزب الله والمحقق العدلي طارق البيطار، حول مسار التحقيقات في إنفجار المرفأ الزلزالي، والتي بدأت شظاياها تُصيب مصداقية الحكومة الميقاتية وقدرتها على كسب ثقة المجتمع الدولي، وخاصة الدول المانحة التي ما زالت تنتظر تنفيذ الوعود العرقوبية بالإصلاحات، وفي كشف ملابسات وقوع كارثة المرفأ.

 

المساعي التي يبذلها رئيس الحكومة على أكثر من صعيد، لإعادة لملمة الوضع بعد جلسة مجلس الوزراء الأخيرة لم تُثمر حتى كتابة هذه السطور، في تحقيق التقدم المنشود، حيث ما زال كل طرف مستنفراً على متراس مواقفه الصدامية، خاصة بين حركة أمل والتيار الوطني، وكذلك الحال مع الشروط التي يطلبها رئيس الجمهورية لعودة إجتماعات الحكومة، الأمر الذي لا يوحي بثمة حل قريب لمشكلة مجلس الوزراء، التي تتحول مع الوقت إلى مأزق للحكم كله، لاسيما للعهد العوني الذي يقف على عتبة العد العكسي لسنته الأخيرة من سنواته العجاف.

 

المفارقة المدمرة أن الأطراف الحزبية المتصارعة على جثث المواطنين الغلابى، لا تكترث بالتدهور المستمر في أوضاع البلاد والعباد، وأن الوقت يُداهم ما تبقى من مقومات الدولة، وصمود الناس، وأن الإرتطام الكبير قادم لا محالة طالما إستمرت سياسات العناد والكيدية والإنكار هي السائدة، مكان الإرادات الوطنية المسؤولة والواعية لمسؤولياتها الوطنية والتاريخية، في إنقاذ الوطن من هذه الجهنم وما تحمله من بئس المصير للأكثرية الساحقة من اللبنانيين.

 

أما تقاذف كرة حسم وضع المحقق البيطار بين السلطة السياسية والمرجعية القضائية، سواء بإبقائه أو بتنحيته، فهي تُجسّد حالة العجز والهروب إلى الأمام، وغياب الجرأة في إتخاذ القرارات الصعبة، لتجاوز المأزق الذي يُعطل عمل السلطة التنفيذية، في وقت أحوج ما يكون فيه لبنان إلى حكومة ناشطة وقادرة على إتخاذ الخطوات الشاقة لإخراج البلد من دوامة الإنهيارات الراهنة.

 

المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي جال على المسؤولين مشجعاً إطلاق ورشة الإصلاحات المالية والإدارية، تمهيداً لفتح أبواب المساعدات الدولية، وتعاطي الصندوق بجدية مع الجانب اللبناني، ولكن يبدو أن نصائح المسؤول الدولي والمحب للبنان، ذهبت أدراج العناد والخلافات السياسية، حيث لم ترف جفن لمسؤول في تحمل مسؤولية الإسراع في الخروج من العزلة الدولية الخانقة.

 

كما لم تنفع تطمينات المسؤول التنفيذي لصندوق النقد في التأكيد بأن شروط الصندوق الإصلاحية ستكون أقل وطأة مما يعاني منه اللبنانيون هذه الأيام، ولكنها ستساعد حكماً في تدفق المساعدات المنتظرة للبلد، الذي لن يتمكن من الخروج من أزماته الحالية بدون دعم الصندوق ووصول المساعدات الخارجية.

 

غير أن أخطر ما تنطوي عليه المراوحة الراهنة للأزمة السياسية، وتعليق إجتماعات الحكومة، هو هذا الفراغ السياسي الذي يفسح المجال للإنزلاق نحو العنف في الشارع، وتشريع الأبواب أمام أسوأ الإحتمالات، خاصة عند تدخل أطراف ثالثة ورابعة بين طرفي المواجهة المحليين، الأمر الذي يجعل التطورات الدرامية تذهب بعيداً، وتخرج قطعاً عن سيطرة الفرقاء المحليين.

 

ما جرى في الطيونة في ذلك الخميس الأسود يُعتبر «بروفة» أولية لإمكانية السقوط في مهاوي العنف المسلح، حيث لم يعد السلاح حكراً على طرف واحد، وأن السلاح موجود في كل بيت لبناني تقريباً، وبشكل لا تنفع معه تهديدات معادلة فائض القوة، التي أثبتت فشلها في أكثر من تجربة، لعل أبرزها التجربة الفلسطينية التي إنطلقت من محور الشياح عين الرمانة بالذات، في ١٣ نيسان ١٩٧٥، وتسببت بحرب ضروس إنتهى الفصل الأول منها بالخروج الفلسطيني من لبنان، فيما وضع إتفاق الطائف نهاية الفصل الثاني، على «قاعدة لا غالب ولا مغلوب»، مع التأكيد «أن لبنان واحد لا لبنانان»، كما كان يردد دائماً صاحب هذين الشعارين الزعيم الراحل صائب سلام، وسقوط شعارات التقسيم والكانتونات، وكل ما كان متداولاً ضد وحدة لبنان، دولة وشعباً ومؤسسات.

 

كلام وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس بعد آخر زيارة لها إلى لبنان في حزيران ٢٠٠٨: «من الصعب التدخل بنجاح في بلد في حالة دائمة من عدم الإستقرار والمآزق المسدودة»، شرّح الوضع اللبناني بكل مآسيه، وأبرز نقاط الضعف المفجعة. ولعل فشل وساطات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والجهود التي بُذلت من أصدقاء وأشقاء، تؤكد إستمرار حالة اليأس الدولي من الخلافات المستمرة والمآزق الدائمة في لبنان، وكأن لسان حالهم يقول: فالج لا تعالج!!