IMLebanon

«الهلال الفارسي».. و«ضلال» الإمبراطورية

 

يُثبت سلوك النظام الإيراني القائم اليوم بشكل قاطع، السعي الذي يبذله هذا النظام في سبيل الوصول إلى تحقيق مشروعه الهادف إلى تكريس إحتلاله في المنطقة، من خلال تمديد نفوذه فيها عبر شبكة الأذرع التي يُغذيها ويُموّلها من أجل إنجاح مخططه التقسيمي، إن من خلال التدخلات العسكرية في بلدان عربية، أو من خلال بث الفتن والأحقاد المذهبية والطائفية، ضمن سياسة قائمة على قطع أوصال العالم العربي وتحويله إلى كيانات متنازعة. وهذا ما يظهر بشكل جليّ، في كل من البلدان التي وطأها هذا المشروع، بدءاً من لبنان وسوريا، مروراً بالعراق ووصولاً إلى اليمن وما يحدثه من اقتتال دام بين اهل البلد الواحد.

أمس، كشفت صحيفة «الغارديان» البريطانية، محاولات ما أسمتها الميليشيات الشيعية في العراق لتعزيز قوس النفوذ الإيراني من طهران إلى بيروت، وقالت إنها تسعى إلى تأمين ممرّ برّي يربط إيران بلبنان عبر العراق وسوريا»، مشيرة إلى أن «هذا الممر أصبح جاهزاً، وأنه يجري تعزيزه من جانب وكلاء إيران الذين يحاولون طرد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) من المنطقة». ومن المعروف أن منطقة «البعاج» التي سيطر عليها «الحشد الشعبي» والميليشيات التابعة لإيران، هي آخر المعاقل التابعة لـ «داعش» قرب الحدود السورية غرب الموصل. ومن هنا كشفت «الغرديان» أن «البعاج تعتبر نقطة أساسية لخطة إيرانية لتأمين الطرق البرية عبر العراق وسوريا إلى لبنان، مما يعزز نفوذ طهران في الأراضي التي استعادتها الميليشيات التابعة لها».

حلم إقامة الدولة الفارسية، لم يغب يوماً عن بال القادة الإيرانيين ولو تطلب هذا الحلم، إراقة الدماء وقتل الأبرياء كما يحصل اليوم في اليمن والعراق وسوريا. ومن النهج الذي تسير عليه إيران، يتبيّن بشكل فاضح أن الحروب التي تُشعلها في المنطقة تحت حجج وادّعاءات بعضها مذهبي وبعضها الآخر سياسي، ما هي سوى جزء من مشروع أبعد ما يكون عن المطالبة بالإصلاحات والحقوق واحترام الأقليات والأديان وصولاً إلى آخر المعزوفة، إنما هو بالفعل مشروع توسعي أقرّ به قادة إيرانيون، منهم وزير الاستخبارات الإيراني السابق في حكومة الرئيس السابق ومندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، المقرّب من «الولي الفقيه» الخامنئي بأن «صنعاء هي رابع عاصمة عربية تُصبح بيد ايران، بعد بيروت ودمشق وبغداد».

ما كشفته «الغارديان» وما كشفه القادة الإيرانيون، ليس الأول من نوعه وبالطبع لن يكون الأخير، طالما أن المشروع الإيراني مُكمل طريقه نحو التقسيم والتوزيع المذهبي في المنطقة تحت شعار تصدير «الثورة الإسلامية». ويتوافق هذا «التصدير»، مع تصريح للجنرال حسين سلامي، نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، رأى فيه أن «المسؤولين في إيران لم يكونوا يتوقعون هذا الانتشار السريع للثورة الإسلامية خارج الحدود لتمتد من العراق إلى سوريا ولبنان وفلسطين والبحرين واليمن وأفغانستان». ويُضاف اليه تصريح مماثل لمستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأقليات علي يونسي اعتبر فيه العراق «عاصمة لإمبراطورية إيران الجديدة».

مشروع «الهلال الشيعي» الذي بدأ يرسم طريقه من العراق بحسب النزعة الإيرانية، عبّر عنه مسؤولون كبار في «الحرس الثوري الإيراني» من خلال مشهد بثّته شاشات التلفزة الإيرانية لقائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني وهو يجول على نقاط بالقرب من معبر «التنف» عند الحدود السورية – العراقية، متوسطاً ضبّاطاً وعناصر من ميليشيات «فاطميون» الأفغانية. وفي هذا السياق، أفادت وكالة «فارس» التابعة للحرس الثوري الإيراني، في تقرير خاص، أن «إيران ماضية بإكمال مشروع الممر البري الذي يوصلها إلى شواطئ المتوسط». وعلى منوال التقسيم والتفتيت نفسه في المنطقة، سارت وكالة «مشرق» الإيرانية، فلفتت إلى أن «الطريق البري بين طهران ودمشق وبيروت قد اكتمل مع سيطرة إيران وحلفائها على النقاط الحدودية الجديدة عبر الحدود السورية – العراقية».

ويُذكر أنه عندما كشفت إيران عن بناء قواعد عسكرية على سواحل سوريا ضمن مخططها لإنشاء الممر الاستراتيجي البري الذي يخترق العراق، ثم شمال شرق سوريا إلى حلب وحمص، وينتهي بميناء اللاذقية على البحر المتوسط، أطل زعيم ميليشيات «عصائب أهل الحق» العراقية، قيس الخزعلي، بخطاب كشف فيه هدف المحور الإيراني بتشكيل «بدر شيعي» بعد اكتمال «الهلال الشيعي» في المنطقة. وقال يومها «في المستقبل ستكون الفرق القتالية قد اكتملت وذلك بالتنسيق بين الحرس الثوري الإيراني وجماعة الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق».

وتأتي كل هذه التصريحات الخطيرة والمتوالية حول اكتمال المشاريع المذهبية، لتكشف حقيقة واحدة وهي الهدف الأساسي للنظام الإيراني في إطار إحياء «الإمبراطورية الفارسية» للسيطرة على المنطقة بغطاء مذهبي، وتحت عناوين مضلِّلة هدفها الأول والأخير إحياء تلك الإمبراطورية ـ الحلم. ومن المنظومة نفسها، تدرّج أيضاً «حزب الله» في الحروب الإيرانية كافة من لبنان بداية ثم إلى العراق وبعده سوريا ثم اليمن. وإذا كان الحزب قد رفع مجموعة من الشعارات في سياق تبرير تورطه في سوريا إلى جانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد عبر القول تارة إنه ذاهب إلى هناك للدفاع عن لبنانيين يقطنون قرى سورية، وتارة أخرى لحماية المقامات المقدسة، فإن هذه الدعاية كلفته ما يفوق الألفي قتيل من عناصره وأكثر منهم من الجرحى. وبدل أن يعمل على تضميد الجراح من خلال إعادة النظر في تورطه، راح يُوزع الإتهامات يمنة ويسرة في محاولة منه للتضليل وحرف الأنظار عن الخسائر والإبتلاءات التي أوقع نفسه بها، في سبيل تغذية المشروع الفارسي وتوسعته ولو على حساب دماء أطفال ونساء وشيوخ الدول المُدرجة ضمن مشروع «الهلال الفارسي».