IMLebanon

الأمبراطورية الفارسية و«افتراس» الخليج

إذا كانت إيران تتخلّى عن شيعة العراق أو عن «حزب الله» اللبناني أو عن الرئيس بشّار الأسد، فإنها تتخلّى عن الحوثيين في اليمن. ولأنّ حلفاء طهران الإقليميين ليسوا مجرد حلفاء، بل هم أجزاء أصيلة من «الإمبراطورية الفارسية»، فالمؤكد أنّ إيران ستقاتل من أجل اليمن!

لم يكن التحرُّك الحوثي في اليمن عبثياً منذ البداية، بل نتيجة تخطيط إيراني للسيطرة على القرار في دولة خليجية حسّاسة في موقعها هي اليمن. فالسيطرة هناك تجعل الخليج العربي بين فكّي كماشة، وتتيح لطهران إمكان اللعب على وتر الاستقرار الداخلي في المنظومة الخليجية.

وثمّة مَن يقول إنه كان من الخطأ اعتبار اليمن «الثور الأبيض» الخليجي، الذي تمّت التضحية به في لحظةٍ معينة، لعلّه يكون كبش الفداء عن آخرين. وفي عبارة أخرى، كان خطأ الرهان على أنّ الفُرس سيكتفون بافتراس بعض اليمن من خلال الحوثيين، ويمتنعون عن تهديد الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.

وكان من الخطأ الرهان الخليجي على «تطويع» الحوثيين ودفعهم إلى تسوية يمنية «وطنية»، بموافقة إيرانية. ولم يخطر في بال القوى الخليجية الكبرى أنّ اليمن يمكن أن يتحوّل شوكة إيرانية في خاصرتهم.

وإستفادت إيران من مخاوف الخليجيين على إستقرارهم الداخلي لتنفِّذ ضربتها في اليمن… على أن ترتدّ إلى الكيانات الخليجية لاحقاً. فطهران تخطط لإنهاء «الخليج العربي» لمصلحة «الخليج الفارسي».

ولذلك، جرت في سنوات «الربيع العربي» محاولات المسّ باستقرار البحرين، وتمَّ التلويح مراراً بتحريك شيعة المنطقة الشرقية في السعودية، علماً أنّ علاقتها جيِّدة بسلطنة عُمان، الجسر الجوي بين طهران وصنعاء. لكنّ إيران إكتشفت أنّ انطلاقتها من اليمن أسهل. فهو لا يستثير القوى الخليجية الكبرى مباشرةً ولا المجتمع الدولي الراعي لمنظومة الاستقرار الخليجي.

لكنّ السعوديين، الذين تغاضوا عن التوسُّع الحوثي في المرحلة الأولى، بدَّلوا نهجهم وقرَّروا التدخل العسكري بناءً على ثلاثة معطيات:

– نظرة العهد السعودي الجديد المختلفة عن نظرة العهد السابق.

– طموح الحوثيين إلى السيطرة الكاملة على اليمن ورفض التسويات السياسية الداخلية.

– إنكشاف الدور الإيراني في الحراك الحوثي، والمخاوف من إستخدام إيران لليمن قاعدة إنطلاق لتهديد الأمن الخليجي، والسعودي خصوصاً. وهذا هو السبب المباشر لاندفاع السعوديين إلى المواجهة العسكرية الجارية.

وحتى الآن، يكتفي الإيرانيون بالردِّ السياسي على الهجوم السعودي. ولكنّ إمتناع إيران عن الردِّ عسكرياً لا يعني تخلّيها عن الحوثيين وإنصياعها لهزيمة مشروعها… خصوصاً أنّ هذا المشروع يندرج في السياق التغييري الذي يشهده الشرق الأوسط، والذي سينتهي بتغييرات في الخرائط وولادة إمبراطوريات على الأرجح.

والتجارب التي خاضها حلفاء إيران، منذ العام 2005، في لبنان وسوريا والعراق، توحي بأنّ طهران لا تستعجل ردّات الفعل، بل هي «تنام» على الأمر الواقع بعض الوقت ريثما ترسم الخطط لتغييره. وهذه السياسة أوصلت حلفاءها إلى إمتلاك الجزء الأكبر من القرار في الدول الثلاث.

ولفهم الخطوات الإيرانية التالية، يجدر طرح سؤالين:

1- هل كان الإيرانيون يتوقعون أن تقوم السعودية بعمل عسكري في اليمن أم إنهم فوجئوا بذلك؟

2- هل تعمَّد الإيرانيون دفع السعودية إلى التدخل عسكرياً؟ أيْ هل تقصَّدوا إحراجها واستفزازها بالسيطرة الحوثية، ما يجرُّها إلى التورّط عسكرياً في الجار اليمني، لكي تكون لهم ذرائع للتدخُّل عسكرياً لدى الجيران الخليجيين؟

أيّاً تكن الإجابة، فدخول إيران عسكرياً على الخط آتٍ. وربما تنتظر طهران تمرير إتفاقها النووي مع الغرب في هدوء. وهي أيضاً تنظر إلى كامل المشهد الإقليمي وأوضاع حلفائها وخصومها قبل قيامها بأيّ خطوة: لبنان، سوريا، العراق، دور إسرائيل، دور تركيا وسوى ذلك. وأيّ قرار لها في اليمن، أو الخليج عموماً، سيراعي الإعتبارات كافة.

ولأنّ حرب اليمن الأهلية- الإقليمية ليست مرشحة للإنتهاء سريعاً، بل ستدوم أشهراً أو سنوات، وفق تأكيد الخبراء وذوي الشأن، فإنّ أمام الإيرانيين متسعاً من الوقت لينضموا إليها. وعندما يفعلون، ستكون فعلاً قد بدأت الحرب في الخليج. وأما ما يجري اليوم فهو قرع الطبول، أيْ المقدّمات التي لا بدَّ منها.