في الوقت الذي تسير فيه الحياة السياسية على وقع المعركة المرتقبة في جرود عرسال، والتي تحدّدت ساعة الصفر لها من دون أن تُعلن، تنزلق المؤسّسات الرسمية ببطء نحو الشلل والتعطيل وتدخل البلاد نفقاً لا أفق له حتى الساعة. ومن الواضح، بحسب مرجع نيابي سابق، أن التصعيد المرتقب على المحور الحكومي، ينذر بتحويل لبنان إلى ساحة ملحقة بالساحتين السورية والعراقية لجهة الفوضى الأمنية المطلقة، وذلك نتيجة غياب رأس الدولة، وعجز مجلس النواب عن التشريع واستحالة الإنتاج والقرار في مجلس الوزراء. ويعتبر هذا المرجع، أن أكثر من صرخة ارتفعت في الآونة الأخيرة، محذّرة من امتداد الحريق السوري إلى الداخل فيما لو تعطّلت المؤسّسات الرسمية بشكل تدريجي، لكنه لفت إلى أن ضجيج المزايدات قد غلب على منطق المصلحة العامة، وأدخل الجميع في حلقة مفرغة نتيجة الحملات والحملات المضادة بين القوى السياسية الفاعلة.
وحذّر المرجع النيابي السابق، من خطورة الطروحات حول تعديل الدستور للوصول إلى تسوية الأزمة الرئاسية، وتالياً كل الأزمات الدستورية، معتبراً أن الطريق الوحيد للخروج من نفق التعطيل العام، هو في اعتماد خطاب سياسي منطقي لا يضع في أولويته سوى تسيير الشؤون العامة، من خلال الاتفاق بين فريقي 8 و14 آذار على الاحتكام للمجلس النيابي وحده، كونه المؤسّسة التي تجمع كل القوى السياسية والقادرة على حماية لبنان من الفوضى السياسية والأمنية.
ولاحظ المرجع ذاته، أنه مع انتهاء الدورة العادية لمجلس النواب من دون نجاح رئيس المجلس نبيه بري في إقناع الكتل النيابية كلها في المشاركة بجلسة تشريعية اتفق على تسميتها «تشريع الضرورة»، ترتسم اليوم على الساحة السياسية الداخلية ملامح سلبية على صعيد العمل التشريعي المعطّل قسراً في الأشهر المقبلة، بعدما بات المجلس النيابي مربوطاً بقوة برئاسة الجمهورية الشاغرة، بينما ينقسم النواب في اتهاماتهم لزملائهم بتعطيل العمل النيابي، والحؤول دون إقرار مشاريع قوانين هامة.
وانطلاقاً من هذه الصورة القاتمة للعمل التشريعي، وجد المرجع نفسه، أن قدرة قيادتي 8 و 14 آذار على إقناع حلفائهم لدى الفريقين بالمشاركة في أي استحقاق نيابي أو غير نيابي، على المحكّ، لافتة إلى أن التوافق المسيحي ـ المسيحي الذي أتى نتيجة الحوار غير المباشر بين معراب والرابية، لم يثمر حتى الساعة، ومن الناحية العملية، سوى مقاطعة لجلسة «تشريع الضرورة» في ظل الشغور الرئاسي، علماً أنه كان من الأفضل لو انسحب هذا الاتفاق على تسوية ملف إنتخابات رئاسة الجمهورية، والتي تشكّل مفتاح الحل لكل الأزمات السياسية، كما الأمنية في البلاد.
ونقل المرجع النيابي عينه، عن أكثر من شخصية نيابية ووزارية، عتبها الشديد على مغامرة بعض الكتل النيابية بالعمل المؤسّساتي، خاصة أن دخول مجلس النواب دائرة التعطيل، لا يعني سوى امتداد هذا التعطيل على كل المؤسّسات الرسمية في المرحلة الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية، وبالتالي تكريس أمر واقع سياسي جديد في البلاد، وهو الفراغ الشامل والشلل في المؤسّسات، وذلك في ضوء قيام حكومة الرئيس تمام سلام بالعمل ضمن حقول ألغام ينذر كل منها بتفجيرها في أي لحظة.