أمّا وقد انتهت مراسم عاشوراء التي نحترم ونجِلّ لما تمثّل من ذكرى أليمة لمذهب كريم، فلقد تبارت قيادات “حزب الله” وعلى مدى عشرة أيّام، في إبلاغنا “ثلاثيّة جديدة” على الشكل التالي:
“-انت حلّ عنّي، حملناكن 40 سنة”.
“-انت أصلاً إنسان حتّى تسألني؟؟”.
“-أنا الله مكلفني”.
وعليه، فإنّ الطَرَف الذي علينا أن نناقشه في مصائبنا من الآن وصاعداً هو الله عزّ وجلّ، إن استطعنا الى ذلك سبيلاً، لأنّ الحوار مع غيره مَضيَعَة للوقت.
أمّا بعد، فإنّنا نعود الى محليّاتنا ومآسينا وكيفيّة خروجنا من جهنّم.
إستحقاق تشكيل حكومة جديدة انتهى وأصبح، وللأسف، وراءنا. نحن على عتبة الدعوة لانتخاب رئيس جمهورية من مجلس نيابيّ تُبنى عليه الآمال هذه المرّة لتغيير مسار الأمور، عن طريق انتخاب رئيس جديد فكراً ونهجاً وثقافةً وانتماءً واستقلاليةً وشفافيّةً ومصداقيّةً وترفّعاً وانفتاحاً على الداخل والخارج.
رئيس يؤمن أنّ خلاص لبنان مرهونٌ فقط بكِتابه ودستوره وقضائه وقواه الشرعية وحدها، وبتماسك شعبه وحياده الإيجابي لأن كلّ انتماء الى محور خارجي هو خروج عن لبنان وعن صيغته ودوره ورسالته.
البارحة اجتمع عدد من النواب (المعارضين) للبحث في عدّة أمور منها الانتخابات الرئاسيّة. هذا أمرٌ جيّد. لكن وللإنصاف لا بدّ من التنويه بموقف رئيس حزب “القوات اللبنانيّة” الدكتور سمير جعجع الذي أعطاه الناخب اللبناني أكبر كتلة نيابيّة وأوسع تمثيل مسيحيّ بفارق كبير عن أقرب منافسيه.
أن يُكرّر سمير جعجع في كلّ إطلالة تأكيده أنّ مصلحة الوطن والخروج من الانهيار أهمّ من حقّه المشروع باعتلاء سدّة الرئاسة فهذا كلام لم نسمعه من أيّ مرشح جدّي آخر. لا بل، أكّد أنّه إذا لم تُجمِع المعارضة على انتخابه فإنّه يضع أصوات نوابّه العشرين في تصرّف أيّ مرشّح رئاسيّ سياديّ إصلاحيّ تتفق عليه المعارضة المكوّنة حسب ظاهر الحال من 67 نائباً، وعلى أمل أن يلتحق بهم نواب تكتل “الإصلاح والتغيير” إذا كانوا قد استخلصوا العِبَر من ولايتهم المنتهية وهي، ألّا خلاص للبنان في حال أكملنا في الخيارات والاصطفافات والممارسات نفسها التي تحوّل الحُكّام الى أباطرة والناس الى شحّاذين والدولة الى أشلاء.
بالمناسبة، قيل الكثير من الانتقادات اللاذعة، صادقةً كانت أم شماتةً أم نكايةً أم تجريحاً بموضوع دعم الدكتور جعجع للعماد ميشال عون في العام 2016 ممّا أوصله بشكل حتميّ الى رئاسة الجمهوريّة.
هذا الكلام قِيلَ من أكثرية اللبنانيّين، كلامٌ قِيلَ من قواتيّين، كلامٌ قيلَ من سياديّين، كلامٌ قيلَ من مستقلّين، كلامٌ قيلَ من رجال دين، كلامٌ قيلَ حتّى من عونيّين… إنّما الحقيقة يجب أن تُقرأ في غير كُتُبِ الانفعالِ وردّاتِ الفعل.
سمير جعجع فَعَلَ في العام 2016 ما يطرحه اليوم على كلّ المعارضين. فهو قد رشّحَ نَفسَهُ عدّة دورات للرئاسة، ونال ما يقارب الخمسين صوتاً في كلّ دورة. وبعد أن قرّر الرئيس سعد الحريري، ومَنْ معه من أحزاب وقوى اخرى من 14 آذار، دعم أحد مُرَشَحَي “حزب الله” في ذلك الوقت مقابل تبوّؤ الرئيس الحريري سدّة الرئاسة الثالثة طيلة العهد، فقد أصاب “الحكيم” ثلاث مبدئيات بدعمه العماد ميشال عون للرئاسة:
1 – مبدأ الغفران المسيحيّ والمصالحة المسيحيّة باختياره خصماً للرئاسة، حيث كان المجتمع قد دفع آلاف الشهداء والضحايا ثمناً لصراع نترك للتاريخ تحديد المسؤوليّات فيه (حرب الإلغاء).
2 – مبدأ المصلحة الوطنيّة العليا التي يُتقنها رجال الدولة فقط، أي عدم الاستمرار بالفراغ الرئاسي لأسباب شخصيّة انتقاميّة.
3 – مبدأ إحترام الديمقراطيّة ورغبة اللبنانيّين، خاصة المسيحيّين منهم، بعد أن أعطوا العماد ميشال عون أكبر كتلة نيابيّة في تاريخ لبنان في العامَي 2005 و 2009.
وإن كنت أنا شخصيّاً معارضاً حتّى الثمالة لنهج عهد الرئيس ميشال عون ومحوره، إلّا أنّني أعتبر أن خيار الدكتور جعجع بدعم وصول الرئيس ميشال عون الى قصر بعبدا هو خيار صائب بالكامل ويختزن ما يختزن من معانٍ وعِبَر. حبّذا لو يُبادل نوّاب “التيّار الوطني الحرّ” سمير جعجع بالموقف ذاته.
على كلّ كان مُلفتاً ما صَرَّح به الدكتور جعجع ذات مرّة مِنْ أنّه يأسف ألّا يكون عهد الرئيس عون ناجحاً كما كان يرجو. علماً أنّ هذا الكلام أبعد ما يكون عن اعترافٍ بذنبٍ لم يقترفه. ففشل العهد لا يمكن ان يكون من مسؤولية “القوات اللبنانيّة” لأنّهم ساهموا بإيصاله الى السدّة الاولى.
واليوم التاريخ يعيد نفسه، فسمير جعجع يدعو جميع المعارضين “لخيار جهنّم” التي نتخبّط فيها، قائلاً لهم: “إتفقوا في ما بينكم على من تشاؤون كرئيسٍ سياديٍّ إصلاحيٍّ وأنا خَلْفَكم ومعكم دون أي مَطلَب غير مَطلَب دولة القانون والمؤسسات”.
هل ينجح الـ67 نائباً في الاختبار؟ معكم سلفاً عشرون نائباً من تكتل “الجمهوريّة القويّة”. المسؤولية تبقى على أصحاب السعادة الـ47 نائباً.
نتوجّه اليكم بكلّ رجاء:
المبادرة بيدكم، توحدّوا وانقذوا لبنان، فالتاريخ لن يرحم.