هل هو «دلَعٌ» سياسي هذا الذي وجّهه الرئيس نبيه برّي الى أهل السياسة في لبنان من على منبر الإمام موسى الصدر في صور؟
أو هو دجَلٌ سياسي وغباءٌ سياسي وخداع وتخلّف وتخاذل؟
أو هو استخفاف بالمسؤولية السياسية والوطنية والأخلاقية والضميرية، نعانيه ونعيش أخطاره ومآسيه؟
كان يمكن أن نقول لهؤلاء «المتدلَّعين»، عرف الحبيب مقامه «فتدلَّعا»… لو أن هذا النوع من «الدلع» يعكس نوعاً من المداعبة الوديّة، على غرار غراميات إبن الملوّح، ولو أنه ينطبق عليه وصف الأحباء لا وصف الأعداء.
ولو أنه لم يجعلنا كأننا مبرمجون على التأقلم مع الذل.
لقد أدّى «الدلع السياسي» الى جعل لبنان الكياني والحضاري والسياسي والديمقراطي والإقتصادي والإجتماعي، كطائرة فقدت محرّكاتها وهي تتهاوى نحو السقوط لا نحو الهبوط، وكأنما «المتدلعون» وحدهم يحتكرون المظلات التي يهبطون بها فوق آبار النفط ومناجم الذهب، وكأنّ البراميل المتفجرة لن تتساقط أيضاً على الكراسي فتتحول الى شظايا مبعثرة.
لبنان ينزف في غرفة العناية الفائقة ولا نزال نحقن أنفسنا بإِبر «الدلع» لنبتزّ منه التبرع بالدم.
والعالم كله بات يؤنّب «دلعنا» الوطني وقد جفّ عندنا الحياء وخجلت بنا المسؤولية التاريخية، وخجلت هي من نفسها.
أيها «المتدلِّعون» من أي لبنان أنتم، ومن أي «آذار» كنتم، من أي طائفة ومذهب وجماعة وحزب، وأياً كان لبنان الذي تريدون، ألا ترون أنه يترنح بين الحياة والموت، ولا نزال نلعب فيه سكارى لعبة الجواري لدى أمراء المؤمنين، فإذا كلام «الدلع» كلام الليل تقطعه الجارية السكرى لهارون الرشيد على أن تنفذه في الصباح، وإذا الجواب الصباحي يترجمه الشاعر أبو نواس عن لسان الرشيد:
فقلتُ الوعدَ سيدتي فقالتْ كلامُ الليل يمحوهُ النهارُ.
دَلَعٌ وكذبٌ وسكَرٌ وثرثرةُ ليلٍ، وفي الليل تُمارَسُ المسؤولية وتُغدق الوعود ويُقرأ الدستور، وكلُّ كلام الليل يمحوه النهار، وأيام الشعب كلّها حياةٌ في الظلام.
في علم الأخلاق: يقول مثلٌ ألماني: للكذب ساقان قصيران…
وفي علم النفس: إن الإنسان يصبح شبيهاً بما ينطق به، فإن نطق بأكذوبة يصبح هو الأكذوبة وأعنف قصاص للكذب هو الكذاب نفسه.
وفي علم السياسة الوطنية: إذا تخليّتَ عن سيادتك تصبح عبداً، والعبد يعيش مع الجواري في بلاط السلطان.
وفي علم الكهنوت: إن الإنسان في الظلام يرى الله وجهاً الى وجه، ونحن لم نعد نرى وجه الله، ولم يعد الله يرى وجوهنا.
نحن فشلنا في كل أنواع العلوم الطبيعية، وكل الإمتحانات التي تحدّد ماهية الوجود، ولم نتفوق بامتياز إلّا في علم «الدلع».
دولة الرئيس نبيه بري.
لقد استُهلِكَتْ كثيراً القبعات السحرية التي أَخرَجتْ أسراباً من الحمام وحبالاً من المناديل الملوّنة، ولم يبق إلا ما تعهدت به في حضرة الإمام الوطني الكبير فقلت: «إننا إذا اقتضى الأمر، سنواجه بقوة الناس القوى التي تواصل الإنقلاب على مختلف العناوين السياسية…»
ألا ترى أن الأمر إنقضى فاقتضى، ولم يعد يحتمل الدلع.
وأن الله قضى أمراً كان مفعولاً… والأمر بات في عهدة الإمام الصدر؟