IMLebanon

نقيب الصيادلة جو سلوم: فلتطبّق “الهوية الدوائية” الآن

 

نحارب “طواحين الهواء” واحكموا بأنفسكم على الدواء الإيراني

 

كأنها نقابة جديدة، كأنها ولدت للتوّ. نقيبٌ شاب للصيادلة أتى على صهوة حصان رافعاً راية “نقابتي سندي” في زمن لا يجد فيه اللبناني دواء ولا يجد فيه الصيدلي أفقاً ولا تجد فيه شركات أدوية عالمية كثيرة سبباً للبقاء في بلدٍ “مخلّع”. مهمة نقيب الصيادلة الجديد جو سلوم صعبة والإختبار الأول له: طرح الهوية الدوائية. فهل ينجح في الإمتحان الأول؟

جرت إنتخابات نقابة الصيادلة يوم الأحد، وفي يوم الإثنين، تحولت النقابة الى خلية نحل. نزل نقيب الصيادلة الجديد جو سلوم الى النقابة وعقد أوّل إجتماع بحث فيه ضرورة توفير التأمين الصحي للصيادلة. وتقرّر تحويل النقابة بالفعل لا بمجرد القول الى “بيت الصيادلة”. نصدق؟ نصغي الى النقيب الجديد يتكلم بلهجة فيها من الثبات الكثير. نسمع، من دخل للتوّ الى مكتبه، يقول له: “أملنا بكم كبيراً”. فماذا يمكن أن يفعل نقيب شاب (41 عاماً) أتى في الوقت الذي انقلب فيه كل شيء رأساً على عقب وباتت الصيدليات بلا أدوية ما وُجد منها أسعاره نار والمرضى مشاريع موتى والبلد متخم بأدوية غير حائزة على شهادة المواصفات؟

مستقلّ ولكن…

 

يتحدث النقيب الجديد عن إرسال رسائل خلوية الى جميع الصيادلة، أُبلغوا بها أن مبنى النقابة يستقبلهم يومياً، في الطبقة الأرضية، بين الساعة العاشرة صباحاً والثانية عشرة ظهراً، لتقديم الشكاوى والإقترحات”. النقيب سيكون موجوداً وأعضاء النقابة أيضاً. ويقول سلوم: “قسماً، لن تبقى وعودنا حبراً على ورق وسنعمل على تحقيق الطموحات. صحيح أن المعركة التي خضناها بدت وكأننا نواجه “طواحين الهواء” لقدرات من نواجههم لكن الصيادلة حققوا إرادة التغيير”.

 

نسمع النقيب الجديد يردد كلمة التغيير مرات لكن ألم يأتِ هو من رحم حزب يُردد من ثاروا في 17 تشرين ضده “كلن يعني كلن والكتائب واحد منن”؟ يجيب “صحيح أنا كنت رئيس ندوة الصيادلة وعضو في اللجنة المركزية في الكتائب وأنا كتائبي وأفتخر لكنني يوم ترشحت علقت عضويتي في الحزب لأنني أردت الفصل بين العمل السياسي الحزبي والعمل النقابي، مع العلم أنني لست واثقا تماماً بكلمة مستقلّ. إنها كلمة فضفاضة. فليس هناك أي لبناني بلا اي هوى. لذا أثق أكثر بالإستقلالية عن التبعيات الضيقة وعدم السماح بالتدخلات والإمرة من أيٍّ كان” يضيف “ترشحتُ من صيدليتي كجو سلوم وخضت معركة نقابية بحتة. الصيادلة اختاروا التغيير الحقيقي. إختاروا كرامتهم وحقهم واختاروا من رأوا فيهم السمات والممارسات النضالية وصمام الأمان لنوعية الدواء وجودته في لبنان والحفاظ على المثلث الضامن للدواء: أي المكاتب العلمية ومن ضمنها الشركات والمصانع والصيدليات”.

 

كلام كثير. أحلام كثيرة. ونوايا أكثر. لكن، حين يتذكر النقيب الجديد الواقع المزري ألا يُصاب ببعض الإحباط؟ يجيب “لا يمكننا تغيير الواقع إذا لم نتحل بإيمان وبقدرتنا على تغيير ما نحن عليه. علينا مواجهة الواقع المزري بعدم الإستسلام او التماشي معه أو السكوت على من أوصلونا الى هذا الواقع لأننا بذلك نكون شركاء في الجريمة”.

 

هل نفهم من ذلك ان النقابات التي سبقت تنازلت في مطارح ما؟ يجيب “لكل طرف أسلوبه. كل من أتى نجح في مكان معين وأخفق في مكان معين. الأهم ماذا سنفعل نحن؟ نحن ننظر الى الأمام لنقوم نحن والصيادلة بالتغيير”.

السوق السوداء وترشيد الدعم

 

نصل الى اللبّ، ماذا عن حال الصيادلة اليوم؟ يقول النقيب “تعتورنا مشاكل كثيرة. أولا، إيرادات النقابة تضاءلت جداً. لا استيراد للأدوية. اليوم نقابة الصيادلة توفّر التأمين الصحي للصيادلة، وقد سدد حتى اليوم 7000 صيدلي اشتراكاتهم اما عددنا الفعلي فيزيد عن 10,000 صيدلي، وبالتالي تغطي النقابة التأمين الصحي الى أكثر من 40,000 شخص بين صيادلة وعائلاتهم. لذا نواجه اليوم معضلة تأمين هذا الكمّ بسبب تدني الإيرادات وتدني سعر صرف الليرة. نحاول المستحيل للمواجهة. نواجه أيضاً خروج الأدوية من الصيدليات وعدم قدرة أصحابها على إعادة تكوين “الستوك” بسبب ارتفاع الأسعار وعدم توافر الأدوية. نواجه موضوع تهريب الأدوية وانقطاعها والمستوصفات والدكاكين. ونواجه أزمة الشركات والمكاتب العلمية التي تنتقل الى بلدان أخرى وتصرف المندوبين الطبيين والموظفين والمصانع التي لا قدرة لديها على الإستمرار.هذا كله يغيّر هوية لبنان. وهو ما قلته الى رئيس الجمهورية يوم زرته (منذ يومين). قلت له علينا المحافظة على هوية لبنان المتمثلة أولا بالهوية الدوائية، والمحافظة على جودة الدواء ونوعيته، وعلى المكاتب العلمية التي كانت إشراقة ثقافية. هذا لبنان. مبرر وجود لبنان هذا التميّز. نحن منذ عامين نطالب بترشيد الدعم. ورفع الدعم جزئياً عن ادوية “البراند”. صرفنا مليار و200 مليون دولار في عام وثلاثة أشهر. وكانت الأدوية تباع في السوق السوداء. لكن لم يصغِ إلينا أحد. هذه مجزرة في حق المواطن وصحته ولبنان”.

 

هل كان بقدرة النقابة فعل أكثر مما فعلت تجاه كل ما حصل؟

 

يأخذ جو سلوم نفساً عميقاً ويقول: “أفضل عدم الكلام عن المرحلة التي سبقت لأن لديهم ظروفهم”. لكن، لو كان هو قبل 15 شهراً فهل كان قادراً على تغيير واقع ما وصلنا إليه؟ يجيب “اكيد للنقيب تأثير بحكم وجود ممثلين للنقابة لدى اللجنة الفنية في وزارة الصحة ولكن قوّة النقيب الأساسية معنوية. لذا نحن سنصر على ان يشعر كل مواطن ان نقابتنا نقابته. عندها اي مشروع لا يتلاقي مع طروحاتنا الوطنية والدوائية سنواجهه معا وسنفضح المشاريع ونعريها”.

 

كلام نقيب الصيادلة الجديد جميل لكنه وصل في الوقت الأكثر صعوبة. ألا يخاف أن يتعثر ولا يعود قادراً على ترجمة الأقوال إلى أفعال؟ يجيب بلغةٍ إنشائية: “نحن نريد ان نرمم لأن لدينا إيمان بالوطن وبرسالتنا ودورنا وبضرورة البقاء هنا. لبنان مر بفترات صعبة ونحن سنفعل ايضا وننهض”.

 

لكن، ماذا يقول الى مواطن، أي مواطن، لبناني يدخل الى صيدلية ولا يجد دواء؟ يجيب “أناشد كل مواطن لبناني أن يكون الى جانبنا في المرحلة الجديدة وأن يعتبر النقابة رأس “حربة” في وجه الكل لاسترداد كرامته وحقه في الحصول على الدواء الجيد من داخل الصيدلية. ووعدٌ بأن أتابع موضوع الهوية الدوائية الى الأخير.

الدواء قبل الرغيف

 

ماذا يُقصد بالهوية الدوائية؟ وماذا لو انضمت البطاقة الدوائية في مصيرها الى مصير البطاقة التمويلية؟ يقول “المحتاج يهمه الدواء قبل البنزين وربما قبل الرغيف. فلنعد بطاقات الى هؤلاء نضع فيها مبلغاً من المال، على أن نتعقب الدواء الموصوف بدءا من الشركة الى الصيدلية الى المريض، وبذلك نمنع الإحتكار والتخزين والتهريب والسوق السوداء وتجار الشنطة ونعطي المريض القدرة على شراء الدواء من الصيدليات. وبهذه الطريقة نحمي المواطن ولا ندمر القطاع الصيدلي. وهذه البطاقة تحتاج الى قرار وإرادة، والى منصة شبيهة بتلك التي أعدت للقاح. في كل حال، طرحنا الموضوع وهناك تجاوب على أمل إقتران الأقوال بالأفعال. نتأمل خيراً لأن صحة المواطن وكرامته لا تحتمل التأجيل. ولو كان لدينا حقّاً رجال يملكون حس المسؤولية لكانوا أعلنوا حال الطوارئ الدوائية وسارعوا الى اجتراح الحلول. فليس معقولا ألّا يجد مريض سكري إبرة أنسولين. ومن غير المعقول ان تساوي علبة دواء الضغط نصف أجر المريض. اليوم نحن في مرحلة إذلال المواطن. هذا ما نريد النضال من أجله”.

 

ماذا عن الصناعات الدوائية المحلية التي تراهن عليها؟ هل هي قادرة على سدّ الفجوة؟ يجيب “تستطيع الصناعات الدوائية، إذا حصلت على المواد الأولية، تغطية 70 في المئة من السوق المحلية. المعامل مجهزة تماماً ويملك العاملون فيها كامل الخبرات. فلنستفد منهم” ويستطرد “لا نعرف حتى الآن ماذا فعلوا بأموال الدعم؟ لدينا 11 معملاً لتصنيع الأدوية فلماذا لم تُدعم مباشرة؟ لماذا نبحث عن البديل العراقي والاردني والتركي ولدينا إمكانية صناعة كثير من الأدوية المزمنة هنا. فلتكن لدينا الروح الوطنية”.

 

تحدثت عن البديل العراقي والأردني والتركي، ماذا عن البديل الإيراني الذي “تسلل” الى السوق اللبنانية ولا يملك الشهادات اللازمة؟ يجيب “نحن لا مشكلة لدينا مع المصدر إنما مشكلة النوعية ومدى مطابقتها مع مواصفات ومعايير الجودة وبالتالي اي دواء يدخل الى لبنان لا يحمل هذه الصفات نحن ضده. ولسنا بحاجة أن نقول للمواطن: خذ هذا الدواء ولا تأخذ ذاك. نحن، نحدد له الصحّ والخطأ وعليه هو الإختيار” يستطرد “يعبر تسجيل الدواء اللجنة الفنية في وزارة الصحة وهناك إثنان من الصيادلة من قبلنا يملكان الكفاءة، عملنا على تعيينهما منذ أسبوعين. لكن، هناك الإستيراد السريع الذي لا يخضع لتلك الإجراءات ونحن ضدّه”.

 

كم دواء دخل من خلال الاستيراد السريع آخر عامين؟ “لا فكرة لدي بعد”. وماذا عن الصيادلة الذين شاركوا في “التخزين” والمستودعات التي سبق واكتشفت فيها الأدوية المخزنة؟ يجيب “نحن لا ندعي القداسة لكن “أمرار” الموضوع يكون مضخماً ومجرد بروباغندا اعلامية. فنجد “خبريات” مضخمة في مكان وغضّ نظر عن التجار الحقيقيين. نحن سنتابع هذا النوع من القضايا بدقة”.

 

كبروا القصة؟هل نفهم من نقيب الصيادلة الجديد وجود تضخيم لكل ما رأيناه؟ يجيب: “هناك اشخاص ظلموا وآخرون لم يُلاحقوا. أضأنا على مطارح وأخفينا مطارح أخرى”.