Site icon IMLebanon

ظواهر الأسى!

تستفز الحروب والمآسي والكوارث والأزمات المستدامة، ملكات الإبداع عند بعض البشر وتطلقها الى سابع سماء.. مثلما تستفز في المقابل، ملكات الشياطين عند البعض الآخر وتخرج أوحش وأسوأ ما في دواخل ذلك البعض، لكنها في الاجمال، تعطّل السوية الطبيعية للحياة وتقصف عادياتها ويومياتها. وذلك بدوره ينتج ظواهر غير طبيعية وغير عادية يمكن وضعها بين مرتبتين: ليست مبدعة ولا شيطانية. وهي عموماً مصابة بقصور في الوعي والاستيعاب والتقدير تبعاً لنموّها وتطوّرها في ظروف وحالات استثنائية هي تلك الحروب والمآسي والكوارث والأزمات تحديداً.

البعض في لبنان هو التعبير الأمثل عن تلك الظواهر المركونة في خانة الوسط بين الإبداع والإتلاف.. وعن تركز الوعي لدى أصحابها عند حدود الهوامش والسطوح. وهذا على ما تقول الافرازات، تكون له تأثيرات سلبية عامة في اللحظة التي يقرر فيها أصحابها اخراج «أحكامهم» الى فضاء أوسع من ذواتهم!

صعب (مثلاً)، بل يستحيل افتراض وجود عاقل (أو نصف عاقل) يلغو في لبنان بمصطلحات لا تليق حتى بالعالم الافتراضي، من نوع «الطبقة السياسية» أو «المجتمع المدني».. أو أن لا ينتبه الى أنه يعيش في دائرة حرب أهلية باردة لا تحتاج سوى إلى دفشة رعناء كي تصير حارة. والى أنه يعيش في شبه دولة قبل أن يتحداها. وفي ظل «نظام» معطّل قبل أن يطالب بإسقاطه! وأن لا يشم روائح الحرائق المندلعة في الجوار قبل أن يلعب بالنار في الدار. وأن لا «يفهم» بعد كل هذا الضنى والشقاء، الحدود الفاصلة بين الصراخ التأففي المألوف والمعروف في الثقافة اللبنانية الأبدية، وبين إمكانية ترجمة ذلك التأفف الى «قرارات» تغييرية تعجز عنها أو تتواضع دونها معظم القوى السياسية الكبيرة العاملة في لبنان الصغير!

عن أي «طبقة سياسية» تماماً، تتحدث تلك الظواهر، طالما ان نظام الطبقات يتخطى البعد الانقسامي الطائفي ليصل الى المذهبي المحض، حيث لكل طائفة ومذهب «طبقتهما السياسية» الخاصة بهما؟ وعن أي «مجتمع مدني» تتحدث تماماً، طالما ان أزمة النفايات أظهرت تقوقعاً سلبياً وصل الى حد ان كل «مجتمع مدني» خاص بكل قرية وبلدة ومدينة من أول لبنان الى آخره، لا يرضى بزبالة «المجتمع المدني» المجاور لقريته وبلدته ومدينته؟!

كان يمكن الاستمرار، في إعطاء بعض العلامات الايجابية لتلك الظواهر التي تحمل في الشكل شيئاً من النبل من خلال ارتفاعها فوق الانقسامات الواقعية القائمة.. بل وإبداء التعاطف مع بعض تحركاتها المترفة طالما انها لا تخرج عن حدودها ولا تضر غيرها ولا تحاول تخطي قدراتها بأدوات قسرية (حملة الزواج المدني مثلاً)، لكن ما حصل في وسط بيروت على مدى يومين صار يستدعي الكثير من الحذر والوجل، عدا عن تظهيره للأسى المتأتي من كون كل مآسي لبنان وأزماته لم تنتج بعد، إلاّ ذلك الوعي المشوّه للفرادة وذلك التسطيح القريب الى حدود بعيدة، من القصور الذهني المؤاخي للعُته!