تزامن اقفال مكتب محطة “العربية” في بيروت مع محاولة غبية للاعتداء على مكاتب صحيفة “الشرق الاوسط” في بيروت نتيجة كاريكاتور يفترض انه غير معبر لا عن سياسة الصحيفة ولا عن سياسة المملكة ايا تكن المواقف الاخيرة التي اتخذتها من لبنان بجريرة معاقبة “حزب الله”. فالكاريكاتور مسيء للبنان واهله وهو من حيث شاء صاحبه ام لم يشأ يخدم هدفين انطلاقا من ان الكاريكاتور غالبا ما يحل مقام مقال او موقف معبر. فهو اولا يهين لبنان الدولة وثانيا يخدم سياسة النظام السوري المعروفة في اعتبار لبنان كيانا مصطنعا كون اجزءا منه فصلت في رأيه عن سوريا لتشكل لبنان الحالي. وليس واضحا اذا كان رسام الكاريكاتور قد قصد تقديم خدمة للنظام على هذا النحو فيما المملكة تعتبر من ألد اعداء هذا النظام راهنا او توجيه اهانة للبنان، فيما اقفال مكتب “العربية” واقتحام مكتب “الشرق الاوسط” يشكلان ضربة معنوية قاسية لبلد اعتاد ان يكون قبلة العالم العربي الاعلامية والسياسية فيما اعلامه يعاني من ازمة مصيرية. ذلك ان ترددات أي خطوة تتناول علاقة لبنان مع دول الخليج باتت في ابعادها الراهنة اكثر من رسالة رمزية معنوية وبانعكاسات سلبية كبيرة لا سابق لها بالنسبة الى لبنان وفي ظل عجز اي دولة على مساعدته حتى بالنسبة الى ايران المرتبكة راهنا في جملة استحقاقات وتحديات داخلية وخارجية وعدم قدرتها على رفد لبنان بما يحتاجه اكان ذلك يهمها او كان انهياره لا يعنيها وفق ما يرجح سياسيون كثر.
تمادت الاضرار من الغوغاء الذي يلاحق البلد. واذا كان للناس ان ينزلوا فعلا الى الشارع اعتراضا وسخطا في رأي بعض السياسيين فليس على نموذج الحراك المدني الذي سيّس واستخدم فاجهض وليدا، ولا على نموذج تظاهرات لخدمة اهداف فريق معين بل على نحو سلمي وشامل يضغط على المسؤولين من اجل اعتماد سياسة الحد من الخسائر التي باتت تترتب على لبنان اولا واساسا نتيجة سياسة التمادي في تعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية على نحو يكاد يودي بلبنان ونتيجة المضي في اعتماد سياسات خاصة لكل من الافرقاء السياسيين بحيث غدا لبنان يدفع اثمانا باهظة لسياسات هؤلاء الافرقاء من مصالح ابنائه. كما ان سياسات هؤلاء الافرقاء قد اضعفت قدرة لبنان على امكان الافادة من الحلول في دول المنطقة في حال صحت المساعي الدولية ونجحت في ارساء قواعد لهذه الحلول. وتقول مصادر ديبلوماسية غربية في بيروت ان الوضع لم يعد يحتمل في لبنان على رغم محاولة الترقيع التي تعكسها بعض الزيارات الغربية والتي يلتقي سياسيون على اعتبارها دعما للبنان من اجل استمراره في الدفاع عن اوروبا وتشكيله جبهة متقدمة تمنع اذا تم دعمها نزوح مزيد من اللاجئين وتواجه او تحارب الارهابيين وتمنع انتقالهم الى الدول الاوروبية. وغالبية السياسيين في لبنان لا يقيمون اعتبارا لواقع ان لبنان سيغدو في ضوء واقعه المهترئ غير مؤهل لان يستفيد من مرحلة الاعمار الآتية في الدول المجاورة علما ان مخاطر تتهدد اقتصاده ومؤسساته ومنها ما بات على طريق الانهيار. حتى ان التساؤلات تقارب مجموعة مسائل منها: الى اي مدى يستطيع ” حزب الله” ان يستمر في السماح في هدر دماء عناصره في سوريا في حين ان النظام السوري بات جالسا على طاولة المفاوضات والدول الكبرى تفصل مراحل الحل السوري وتبحث في مستقبل رأس النظام لجهة المهلة التي سيسمح له فيها بالبقاء على رغم الثقة العميقة بانه لن يتمكن من البقاء لسبب جوهري ان اي حرب اهلية لا تسمح لمن كان مسؤولا عن حصولها ان يكون جزءا من الحلول لهذه الحرب. كما يطرح التساؤل عما اذا كان هناك من استراتيجية خروج يمكن ان يعتمدها افرقاء سياسيون عن المأزق الذي بات عليه الوضع في لبنان، وهي مسؤولية متكاملة على الجميع انما تقع نسبها اكثر على البعض من البعض الآخر. هذه الاستراتيجية باتت ملحة نظرا الى انه لا يمكن التعاطي مع ازمة الشغور الرئاسي المستمرة منذ سنتين بالمعطيات نفسها خصوصا ان تطورات كثيرة حصلت من جهة وخيارات اختبرت في لبنان من دون ان تؤدي الى اي نتيجة وليس محتملا ان تؤدي الى النتيجة التي يتوخاها البعض مع تغييرات كبيرة طرأت على الواقع اللبناني كما على علاقاته مع الدول العربية وكذلك بالنسبة الى افق الحل في سوريا. والتساؤلات تشمل اذا كان لا يزال مدى الافادة من غياب رئيس للجمهورية بعد سنتين على الشغور الرئاسي عبر اقتسام الحكومة وفي غياب اي رقابة ممكنا من دون مزيد من اهتراء لبنان وانهيار مؤسساته خصوصا ان الديبلوماسيين يعبرون عن قلقهم من واقع انفاق كبير يقوم به لبنان في مقابل تراجع قدرته على تأمين الاموال لخزينته ؟ فالمصادر الديبلوماسية المعنية تسأل اذا كان لا يزال اللبنانيون فعلا يؤيدون المسار الذي تعتمده بعض القوى السياسية في مقاربتها مجموعة المسائل المطروحة بعدما باتت مصالح اللبنانيين في خطر ولقمتهم مهددة من دون اهمال واقع أن الانتخابات البلدية والاختيارية المقبلة تشتري للقوى السياسية فرصة جديدة لدى اللبنانيين انطلاقا من انها تخلق دينامية تعطي زخما سياسيا إلهائيا يستفيد منها السياسيون بعض الشيء في محاولة تبييض صفحتهم او استعادة ثقة الناس واثارة حماستهم نحو محاولة التغيير من تحت في ظل العجز عن اي امر آخر.