IMLebanon

ظواهر..

 

يمكن الافتراض وإساءة الظنّ، وبسعادة إذا أمكن، بأن بعض المتذاكين في لبنان لو تُركوا «وحدهم» مثلما كان حالهم أيام الوصاية السورية الموؤدة، لعادوا وارتكبوا ما ارتكبوه سابقاً! وزادوا على ذلك تشاوفاً مَرَضياً من خلال ترويج صفة الذكاء، باعتبارها واحدة من ملكاتهم الكثيرة.. ثم التأكيد التكراري من قبلهم بأنهم في الإجمال أرباب الصحّ والنظافة! وأسياد في إدارة الدول وسوس رعاياها! وقادة مجلّون في حفظ الأسس الكيانية والدستورية للبلاد! ومراجع مكينة ومقتدرة واستثنائية في كيفية صون كرامات البشر وحُسن التصرّف بالوظيفة العمومية.. عدا عن الاحترام العميق لمبدأ حق الاختلاف الذي أقرّته شرائع السماء والأرض في بداية التبليغ وآخره!

 

.. رساليّون بالفطرة! وأمثالهم في الأمس واليوم، في القديم والحديث حملوا «رسائلهم» وكأنّهم أنصاف آلهةّ! بل إن بعضهم أخذه التيه والهلوسة المُصفّاة الى حدّ الجهر بذلك التيه وتلك الهلوسة، وافتراض «عاديّة» الأمر في زمن يرونه منحطّاً، ويسحبون حالهم من أسباب انحطاطه! بل يكرجون كرج الحجل في تسويق كونهم أتوا في الوقت المناسب لرفع المقام والحطام وتصليح أحوال هذه الدنيا قبل أن تَفنى تحت وقع الغلط المتفشّي كالفطر السام!

 

أمثال هؤلاء لا دواء لهم ولا شفاء! وكان يمكن اعتبارهم تلويناً طبيعياً وقدرياً لا بدّ منه لإكمال وتأكيد التنوّع في الخلق، لولا أنهم لا يكفّون، هم أنفسهم، عن تذكير العامة بخصالهم الخاصة. وعن التنطّح القيادي والريادي بدلاً من التواضع الذي لا شكّ فيه في أحوالهم وقدراتهم وعقولهم، ولولا أنهم يصرّون على نكران قزميّتهم وادّعاء عملقة كاريكاتورية لا تستحضر إلاّ اللعنات ولا تثير في الأسوياء سوى حسرة سوء الطالع التي وضعتهم غصباً عنهم، على تماس عام مع تلك الظواهر!

 

كان يمكن التفرّج على تلك العيّنات من زاوية علم النفس وضروبه وأبوابه، لتفسيرها.. ومن أبواب الانتقام اللذيذ من آفة الملل وتوسيع مدارك العلم بالتنوّع غير السوي وغير الطبيعي، ثم من أبواب التمعّن بالشرّ وأسبابه ووجوهه وخلفيّاته وأعماقه ونتاجاته.. كان يمكن أكثر من ذلك طالما أنّ الحداثة وتقنياتها على هذا الوسع والانتشار، لولا أن هذا النوع من البشر لم يتمكن في زمن الانحطاط من الإمساك أو المشاركة في الإمساك بناصية سلطات في يدها التحكّم بالبشر! وتقرير مصائر دول وأمم وشعوب بالجملة والمفرّق!

 

بعض المتذاكين في نواحينا يعتبر الإمعان في استغباء الناس ذكاء لمّاحاً! والإصرار على النكران مكرمة أخلاقية أكيدة! وتركيبته الذهنية في أساساتها وفطرتها تجعله متآلفاً مع ادّعاءاته و«صادقاً» في إشهارها بعد «الإيمان» بها! وهذه بعض من مقوّمات الشخصيات التي تصنّف نفسها في مصاف أنصاف الآلهة! أو في خانة من دانت له القدرة الاستثنائية والذاتية على معاينة الغلط العام وتصويبه وتقويمه بالقوّة التي لا بديل عنها! لا في الدساتير ولا في القوانين ولا في المؤسسات المعنية بتنظيم شؤون الدول ورعاياها في السياسة والاقتصاد والاجتماع والفنون والإبداع والأمن والقضاء.. إلخ!

 

.. برغم كلّ شيء، يملك لبنان مناعة ضدّ هذا النوع من الشرود الديكتاتوري! وتصدّ هذه المناعة استطرادات أحلام الطغاة الصغار، والمشاريع البائسة لاستبداديّين بلا أمل! ولمشعوذين جلّ طموحهم التشبّه بـ«رجل دولة» من طراز بشّار الأسد وما دون! وبـ«حكمته» و«ريادته» و«عمقه» الإداري والفكري والسياسي والاستراتيجي!

 

رحم الله رفيق الحريري: كان يعرف تماماً هذا النوع من البشر، ويتعامل معهم بدراية وتعقّل.. ومن دون أن ينفع تعقّله في لجم شرّهم عنه!