في اليوم الـ 101على بدء الحرب على غزة، ارتفعت التحذيرات من وجود نية اسرائيلية لاحتلال محور فيلادلفيا بين قطاع غزة وسيناء لطرد الفلسطينيين إليها. فهو اليوم الذي يستبق بأربعة مثله الذكرى الـ 50 لانطلاق المفاوضات المصرية ـ الاسرائيلية في خيمة «الكيلو 101» التي رسمت الحدود بين قطاع غزة ومصر عند مدينة رفح بين هويتَيها المصرية والفلسطينية. وعليه، هل هي المصادفة التي جمعت بين التاريخين؟ أم انّ لها أبعاداً ونتائج أخرى؟
في أعدادها الصادرة في 20 كانون الثاني 1974، نشرت الصحف العربية والعالمية على صفحاتها الاولى ما يفيد بجديد «حرب العبور» التي خاضها الجيش المصري في اتجاه سيناء بعد خرق «خط بارليف» بإطلاق المفاوضات بين جمهورية مصر العربية واسرائيل في خيمة «الكيلو 101» التي نصبت على الطريق الدولي بين مدينتي القاهرة والسويس. وذلك في توقيت تلى الاتفاق على فصل القوات على جبهتي السويس وسيناء الذي تم التوصّل اليه في 28 تشرين الأول 1973 وبدء انتشار قوات الطوارئ الدولية التي وصلت في ذلك اليوم الى محاور القتال في سيناء ومدينة السويس. وإن قيل انّ التاريخ يعيد نفسه ولو بعد عقود، فقد تزامنت في غضون خمسين عاما تلك المحطات التاريخية، مع تلك التي نعيشها اليوم بفوارق أساسية وجذرية بعدما كرر المسؤولون الإسرائيليون النية بوضع اليد على محور فيلادلفيا للفصل النهائي بين أرض فلسطينية في جنوب قطاع غزة والأراضي المصرية.
وفي العودة، ولَو بلمحة تاريخية الى تلك المرحلة، لا بد من التذكير بأنّ ما جرى كان ثمرة مجموعة من القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن الدولي. وكان أولاها القرار 338 الذي صدر في 22 تشرين الأول 1973 بعد 16 يوما على اندلاع حرب «يوم الغفران» التي قادتها مصر وسوريا بالتنسيق السري بينهما في تاريخٍ تزامَن وبدء عملية «طوفان الاقصى» في 7 تشرين الاول من ذلك العام، والتي استهدفت استعادة الأراضي المحتلة على جانبي قناة السويس وسيناء والجولان. وهو القرار الذي لم تلتزم به اسرائيل فكان القرار الثاني الذي صدر في اليوم التالي وحمل الرقم 339 في 23 تشرين الاول، والذي لقي المصير عينه إلى ان صدر بعد يومين القرار 340 في 25 تشرين الاول، فكانت «الثالثة ثابتة»، وتقرر بموجبه إنشاء «قوة طوارئ» تابعة للأمم المتحدة مؤلفة من أفراد تقدمهم الدول الأعضاء في المنظمة الدولية باستثناء الدول التي تتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي بالإضافة إلى الطلب من الطرفين الدخول في محادثات عسكرية للفصل بين قواتهما وحل بعض الاشكالات التي تسببت بها الحرب.
وللتذكير بتلك التطورات، فقد أفضَت الجهود الدولية الى وقف المعارك بين الجانبين في 28 تشرين الأول تزامناً مع وصول قوات الطوارئ الدولية وبدء انتشارها على جانبي جبهة القتال على أرض سيناء. إلى ان انطلقت المفاوضات بعد 104 أيام في اجتماعات «خيمة الكيلو 101» برعاية وحضور قائد القوات الدولية المُحدثة الجنرال انزو سيلاسفو ورئيس الجانب المصري اللواء محمد عبد الغني الجمسي، بينما تمثلت اسرائيل برئيس أركان جيشها الجنرال ديفيد اليعازر. وقد تركزت المحادثات على تنفيذ ما تقرر ولا سيما على مستوى وضع الأسرى وجرحى الطرفين، وتزويد مدينة السويس والجيش المصرى الثالث بالمواد الغذائية وماء الشرب، وتحديد المواقع التى يمكن أن ترابط فيها قوات الطوارئ الدولية، وتأكيد رسم خطوط وقف النار كما حدّدها آخر قرار لمجلس الامن ربطاً بما كانت عليه أوضاع الطرفين في 22 تشرين الأول من ذلك العام.
وبناء على ما تقدم، تعترف مراجع ديبلوماسية وعسكرية عند قراءتها لتلك المحطات، بأنّ كل ما أُنجز في تلك المرحلة بات اليوم في خطر جدي، إن أصَرّت اسرائيل على احتلال محور فيلادلفيا وما يمثّله من حدود فلسطينية ـ مصرية مشتركة في ظل الرفض المصري والفلسطيني والدولي المَس بشكل المنطقة وطبيعتها الجيو ـ سياسية في مواجهة النظرية الاسرائيلية التي قالت بضبط الوضع ووقف تهريب السلاح من مصر الى القطاع على رغم من الإجراءات المصرية المتخذة في تلك المنطقة منذ سنوات تَلت المواجهة بين الجيش المصري و»الاخوان المسلمين»، وقطع أي تواصل بينهم وبين حلفائهم من مسلحي حركة «حماس» داخل القطاع.
وان طلب الى هذه المصادر عينها الدخول في مزيد من التفاصيل تضيف: «انّ أي تحرك اسرائيلي في اتجاه وضع اليد على المنطقة الحدودية من دون التنسيق مع مصر والقوى الدولية ولا سيما منها الولايات المتحدة التي سبق لها ان رفضت الاحتلال الاسرائيلي الدائم للقطاع فإنها ستُنهي ما كرّسته مفاوضات «الكيلو 101» من استقرار على الجبهة المصرية – الاسرائيلية بعدما توصلت الى ترسيم الحدود بين البلدين عند مدينة رفح المصرية مع نظيرتها الفلسطينية. وقد عززتها التطورات التي أفضَت الى اتفاقية «كامب ديفيد» التي شكلت اطاراً لما سُمّي «اتفاق سلام في الشرق الأوسط»، والتي وقّعها في 26 آذار 1979 كلّ من الرئيس الأميركي جيمي كارتر والرئيس المصري أنور السادات ورئيس الحكومة الإسرائيلية مناحيم بيغن، والتي ما زالت مفاعيلها تتحكم بالحدود والعلاقات المصرية ـ الاسرائيلية حتى اليوم.
على هذه الأسس، تقول المصادر عينها انّ بلوغ هذه المرحلة سيرفع من منسوب المخاطر التي يحاول العالم تجنّبها اذا صَحّت دعواته الاخيرة الى لجم أي تدهور محتمل على الحدود الاسرائيلية – اللبنانية بمعزل عمّا يجري في اليمن، على رغم من المخاطر المترابطة بين هذه الجبهات ومعها ما يجري في سوريا والعراق من عمليات عسكرية تَخطّت العشرات بين القواعد الاميركية فيهما ومحيطها المباشر في الدولتين. ذلك ان مصر لن تنتظر مصير أي تحرك على جبهات أخرى، إن أقدمت اسرائيل على اي خطوة بهدف ترحيل الفلسطينيين الى أراضيها في سيناء.
وتختم المصادر انّ مثل هذه الخطوات الاسرائيلية قد تدفع في حال المجازفة بها من طرف واحد الى انفجار كبير يتعدى مخاوف الأطراف كافة. وان كان رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو يتمنّاها لإطالة زمنها وتمديد اقامته في السلطة مخافة الانتقال منها مباشرة الى المحكمة او البيت. وإنّ استدراج لبنان ومصر الى الحرب، وربما واشنطن، قد يكون من أهدافه المضمرة. فإلى تورّطها المباشر في العمليات العسكرية الذي يفوق خطورة عمّا تقوم به مع بريطانيا في البحر الأحمر واليمن إضافة الى ما بدأت به منفردة في سوريا والعراق. وعندها ستتجه المنطقة بلا استئذان أحد الى «الحرب الشاملة» التي تَدّعي القوى الدولية الحؤول دون بلوغها، لنشهد فصولاً جديدة منها قد يعرف موعد بدايتها فيما يجهل الجميع موعد نهاياتها.