Site icon IMLebanon

فيليب السكران

 

وكُنَّا نستطيبُ إذا مرِضْنا
فصارَ سَقامُنا بيدِ الطبيبِ

إلى أيِّ طبيب يلجأ هذا الشعب المريض في دولة «الرجل المريض»، هذا اللَّقب الذي وُصفَتْ به الدولة العثمانية وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة في صراع مع الإحتضار.

يقول مثلٌ لاتيني: «في السلطة كما في الجسم الأمراض الأكثر سوءاً مصدرها الرأس…» والرأس المريض، أَحَبُّ المساكن الى الشيطان، كما يقول مثل آخر.
المرض عندنا في رأس السلطة، هكذا شخّصه الرئيس ميشال عون، وحدّد لهُ القضاء علاجاً، حتى وإن كان القضاء يترنّح تحت النفوذ السياسي، فالإستئناف يكون من القضاء الى القضاء.

وقديماً أصدر الملك فيليب المقدوني على أحد المتهمين حكماً وهو مفرِطٌ في الشراب فأصّر المتهم على الإستئناف، ولما سأله الملك مستغرباً لمَنْ توجّه الإستئناف قال: من فيليب السكران الى فيليب الصاحي.

الشعب متَّهمٌ بريء وليس لهُ إلاَّ القضاء والدستور ضماناً لحمايته من الإفراط في السكر، ومن جور السلطة ووجع رأسها.

وأهل السلطة عندنا – شفاهم الله – ضجَّت رؤوسهم بالوجع بفعل حرصهم على القانون والدستور، وبفعل ما عبثوا بدستورية القوانين وأخضعوها بالقرار السياسي لدستورهم الخاص، وشرعيتهم الخاصة ودولتهم الخاصة.

هم الذين ينتهكون الشرعية ويبكون عليها، والشرعية تبكي عليهم وعلى نفسها، ولم يصدُفْ أنْ شرَّع الدمع سلطة، أو أكَّد حقاً، أو حقّق هدفاً، وحدها دموع عشتروت الأسطورية بعثَتْ أدونيس حيَّاً بعدما صرعه التنين.

إذا كانت السلطة الحاكمة أسطورة تتلهّى بمصارعة التنين، والسلطة المشترعة تبتهج باغتيال أدونيس، والشعب يعجز إلاّ عن البكاء، فالبكاء يحمل سرّ المآتم، والمآتم تحمل سرّ الظلم، وسرُّ الظلم تحمله الرؤوس المقطوعة التي تدحرجت في شوارع الربيع العربي.

تفسير مرسوم واحد حيال ترقية الضباط، هزَّ كل أركان الحكم صعوداً ونزولاً، وأوقع كل عشائر الدولة في عشوائية الصراع، وأخطر ما كشفه هذا المرسوم هو أن ملاكات الدولة وكأنما أصبحت ملكاً مذهبياً خاصاً مسجلاً في الدوائر العقارية على أسماء مَنْ يتولونها، فإذا الصراع بين الرئاسات والقيادات ينتقل الى صراع بين الوزارات، وإذا الوزارات تتحول الى متاريس تتبادل القصف خلف أكياسٍ من الرمل، وبالرمل يطمر الحكام رؤوسهم.

السلطة الحاكمة المسؤولة عن معالجة مشاكل الناس، أصبحت هي أيضاً مشكلة تضاف الى مشاكلنا الخطيرة، والى ما تراكم عندنا من مآسٍ ومفاسد وآفات يتعذّر عدُّها وينْدُر مثيلها في عالم هذا العصر.

العالم في القرون الوسطى كان يوصف: بالشهوات، والعنف، والفساد، والعربدة، والدنس، والشره، والسطو، والخيانة، والتزوير، والفسق، والرذيلة، والجهل، والعهر، والنهم، وشرود الروح…

هل تستطيعون أن تقولوا لنا، ماذا تغير عندنا اليوم…؟
إذاً… من حقكم أن تطمروا رؤوسكم في الرمال.