باتريك كينغزلي ورونين بيرغمان- نيويورك تايمز
يخضع مساعدو بنيامين نتنياهو إلى التحقيق حول اتهامات بتسريب معلومات وتزوير سجلات وترهيب. لكنّ مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ينفي هذه الادّعاءات.
في صباح اليوم الذي شنّت فيه حماس هجوماً على إسرائيل العام الماضي، اتصل جنرال إسرائيلي بارز برئيس وزرائه، بنيامين نتنياهو، ليخبره أنّ مئات المسلّحين يبدو أنّهم يستعدّون لشنّ هجوم.
يخضع مساعدو رئيس الوزراء الآن إلى التحقيق بتهمة تعديل تفاصيل تلك المكالمة في السجلات الرسمية لأنشطة نتنياهو في ذلك اليوم، وفقاً لأربعة مسؤولين اطلعوا على التحقيق.
يُنظر إلى التحقيق على أنّه حسّاس للغاية في إسرائيل، لأنّ مسألة ما عرفه نتنياهو مسبقاً عن هجوم «حماس»، ومَوعد إبلاغه بذلك، قد تكون حاسمة لمستقبله السياسي. ومن المتوقع أن تلعب دوراً رئيسياً في التقييم بعد الحرب لدور القادة السياسيِّين والعسكريِّين، في واحدة من أسوأ الإخفاقات العسكرية في تاريخ إسرائيل.
وهذا الاتهام ليس الوحيد الموجّه إلى مساعدي نتنياهو في الأسابيع الأخيرة. بينما لا يخضع نتنياهو نفسه إلى تحقيق جنائي، يخضع مسؤولون في مكتبه إلى التحقيق، لمحاولتهم تعزيز سمعته خلال الحرب الإسرائيلية مع «حماس» عبر تسريب وثائق عسكرية سرّية، وتغيير النصوص الرسمية لمحادثاته، وترهيب الأشخاص الذين يتحكّمون في الوصول إلى تلك السجلات.
على رغم من تعقيد وتشابك هذه القضايا، فقد ساهمت في تعزيز الانطباع لدى منتقدي نتنياهو بأنّ فريقه قد استخدم وسائل غير مشروعة لتحسين صورته، على حساب الحقيقة أو الأمن القومي أو كلَيهما. وقد نفى نتنياهو ومكتبه هذه الاتهامات، مدّعين أنّ مَن يتهمّونه هم الذين قوّضوا إسرائيل بنشر الأكاذيب، في وقت تعيش فيه البلاد حالة من الخطر الوطني.
ولم يُكشف عن كامل تفاصيل الادّعاءات الجديدة، لأنّها تخضع إلى أمر تقييد النشر. وقد أفاد المسؤولون الذين تحدّثوا إلى صحيفة «نيويورك تايمز» عن التحقيقات بشرط عدم الكشف عن هويتهم، لأنّهم ممنوعون من التحدّث علناً عن القضية.
القضية الأولى: السجلات الهاتفية
في اليوم الذي هاجمت فيه «حماس» إسرائيل في 7 تشرين الأول 2023، تحدّث رئيس الوزراء مراراً عبر الهاتف مع كبار المسؤولين الأمنيِّين، بما في ذلك سكرتيره العسكري اللواء آفي غيل.
ويُقيّم ضباط الشرطة ما إذا كان مساعدو رئيس الوزراء قد غيّروا سجلات تلك المكالمات سراً، وفقاً للمسؤولين الأربعة الذين اطلعوا على التحقيق.
وبدأ التحقيق بعد أن قدّم الجنرال غيل، الذي غادر منصبه في أيار، شكوى خطية إلى النائب العام، تفيد بأنّ النصوص الرسمية للمكالمات التي أجراها في ذلك الصباح مع رئيس الوزراء تبدو وكأنّها قد تمّ تعديلها، وفقاً للمسؤولين. وقد أفاد الجنرال غيل في شكواه، بأنّ أحد كبار مساعدي رئيس الوزراء أجبر أحد المدوّنين على تزوير النصوص.
في إحدى المكالمات التي أُجريت في وقت مبكر من يوم 7 تشرين الأول، أبلغ الجنرال غيل رئيس الوزراء أنّ مئات من عناصر «حماس» قد بدأوا في التحرّك بطريقة تشير إلى أنّهم قد يكونون على وشك اجتياح إسرائيل، وفقاً لثلاثة مسؤولين اطلعوا على التحقيق. ويُعدّ توقيت هذه المكالمة أحد التفاصيل التي يُقال إنّه تمّ تعديله في النصوص الرسمية.
يُعدّ محتوى وتوقيت هذه المكالمات مهمّين، لأنّه قد يؤثّر على نظرة الناخبين والمؤرّخين إلى نتنياهو.
ولأكثر من عام، أنكر نتنياهو أنّه أُبلغ مسبقاً عن الغزو. وقد تجنّب تشكيل لجنة تحقيق رسمية لتقييم مسؤولية القادة العسكريّين والسياسيّين في إسرائيل، بما في ذلك مسؤوليته هو.
القضية الثانية: فيديو محرج
تضاعفت قضية التزوير بسبب مخاوف من أنّ أحد مساعدي نتنياهو قد رهّب ضابطاً عسكرياً كان يتحكّم في الوصول إلى السجلات الهاتفية، وفقاً لأربعة مسؤولين اطّلعوا على الحادث. وذكر المسؤولون أنّ الضابط صُوِّر بواسطة كاميرا مراقبة مثبتة في مقر رئيس الوزراء وهو يرتكب فعلاً قد يُسبّب له إحراجاً شخصياً.
وبعد الحادث، اقترب مساعد كبير لرئيس الوزراء من الضابط، وأخبره أنّه حصل على فيديو للفعل المُحرِج، وفقاً للمسؤولين. ويُقال إنّ المساعد الكبير هو الشخص نفسه المتهم بإجبار المدوّن على تغيير سجلّات محادثات نتنياهو.
وقد أبلغ الضابط قادته عن هذه الخطوة، مشيراً إلى خشيته من أنّ المساعد قد يستخدم الفيديو لابتزازه في المستقبل، وفقاً للمسؤولين.
القضية الثالثة: وثيقة مسرّبة
اتُهم مساعدو نتنياهو أيضاً بتقديم وثيقة حساسة بشكل سرّي إلى وسيلة إعلام أجنبية، وفقاً لستة مسؤولين اطلعوا على القضية.
وقد نُشرت الوثيقة في أوائل أيلول، في وقت كان يواجه فيه نتنياهو ضغوطاً من أجزاء كبيرة من المجتمع الإسرائيلي للموافقة على صفقة وقف إطلاق النار مع «حماس»، التي تسمح بالإفراج عن عشرات الرهائن المحتجزين لدى المجموعة.
عارض نتنياهو الهدنة، قائلاً إنّ شروط الاتفاق ستسمح لـ»حماس» بإعادة تنظيم صفوفها. وقد أثار موقفه غضب العديد من عائلات الرهائن الذين جادلوا بأنّه تخلّى عنهم لصالح نواب اليمين المتطرّف، الذين هدّدوا بإسقاط إئتلافه إذا وافق على الهدنة.
ولتدعيم موقفه في 8 أيلول، أدلى نتنياهو ببيان في اجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي، مستشهداً بمقالة نُشرت قبل أيام في صحيفة «بيلد» الألمانية.
وكانت المقالة تعرض مذكرة كتبها ضابط استخبارات من «حماس» وحصل عليها الجيش الإسرائيلي، وسُرِّبت إلى الصحيفة.
وكشفت «بيلد»، أنّ الوثيقة أظهرت أنّ «حماس» سعت إلى التلاعب بعائلات الرهائن، لإقناع نتنياهو بالتساهل في مفاوضات الهدنة والموافقة على شروط أقل ملاءمة لإسرائيل. واستشهد نتنياهو بتقرير «بيلد» ليؤكّد أنّ «حماس» تسعى إلى «زرع الفتنة بيننا، واستخدام الحرب النفسية ضدّ عائلات الرهائن».
ويبحث المحققون في ما إذا كان نتنياهو قد استشهد بوثيقة مسرّبة من مساعديه أنفسهم، بحسب المسؤولين. لكن لا توجد إشارة إلى أنّه يخضع إلى التحقيق نفسه أو أنّه استُجوِب.
لماذا يُحقَّق في التسريب؟
عادةً ما يقدّم المسؤولون الإسرائيليّون وثائق للصحافيِّين، لكنّ جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) يحقق في هذا التسريب بالذات، لأنّ الوثيقة مأخوذة من قاعدة بيانات استخبارات عسكرية سرّية للغاية، وفقاً للمسؤولين الستة الذين اطلعوا على القضية. وقد اعتُقل أحد مساعدي نتنياهو، إيلي فيلدشتاين، كجزء من التحقيق، بالإضافة إلى أربعة ضباط لم يُكشَف عن أسمائهم، ويُشتبَه في أنّهم ساعدوا في الحصول على الوثيقة. واحتُجِز الخمسة جميعاً بموجب إجراء قانوني نادر يُستخدم فقط في الحالات التي تُشكّل تهديدات قصوى على الأمن القومي. وقد رفض محامي فيلدشتاين التعليق.
ولا يُجري الشاباك تحقيقاً في مقال منفصل نُشر في أوائل أيلول في صحيفة «ذا جويش كرونيكل» في لندن، التي عزّزت أيضاً رواية نتنياهو، وفقاً لأربعة من المسؤولين. وتُعتبر المقالة، التي سحبتها «كرونيكل» لاحقاً، مختلقة تماماً وليست مبنية على وثيقة مسرّبة، ممّا يجعلها غير مصنّفة كتهديد أمني يستحق التحقيق، وفقاً للمسؤولين.
ويُركّز التحقيق في الوثيقة المسرّبة إلى «بيلد» على سبب السماح لمسؤولين بلا تصاريح أمنية كاملة، مثل فيلدشتاين، بالوصول إلى وثيقة سرّية بهذا المستوى، وكيف وصلت وثيقة حساسة كهذه إلى الصحافة، وما إذا كان التسريب قد أضرّ بأسلوب جمع إسرائيل للمعلومات الاستخباراتية.
فبإعلان إسرائيل عن حصولها على هذه الوثيقة، هناك خطر من أن يكشف التسريب لـ»حماس» أنّ إسرائيل قد تمكنت من الوصول إلى مصدر معيّن من المعلومات التي قد تكون المجموعة تعتقد سابقاً أنّها آمنة.
وعلى رغم من أنّ محتوى مقالة «بيلد» ليس مِحوَر التحقيق، فإنّ القادة العسكريّين يشعرون بالإحباط سراً، من كيفية تقديم الوثيقة على ما يبدو من قِبل مكتب رئيس الوزراء لـ»بيلد»، وفقاً للمسؤولين.
وذكرت الصحيفة، أنّ الوثيقة تعكس موقف يحيى السنوار، زعيم «حماس» المتشدّد في غزة حتى مقتله في تشرين الأول. لكنّ مسؤولين في الدفاع يقولون إنّ الوثيقة ربما لم يشاهدها السنوار مطلقاً، وأنّها على أي حال تشير إلى أنّ «حماس» كانت على استعداد لإظهار مزيد من المرونة في المفاوضات، ممّا اعترف به نتنياهو علناً.
ورفضت «بيلد» التعليق على مَن قدّم لها الوثيقة. كما لم يردّ الشاباك والشرطة على طلبات التعليق.
لماذا أثارت الادّعاءات غضب بعض الإسرائيليّين؟
بالنسبة إلى معارضي رئيس الوزراء، تثير الاتهامات الانطباع بأنّ فريق نتنياهو استخدم وسائل ملتوية لصرف الانتباه عن إخفاقاته. ويعتقد منتقدوه أنّ مساعديه فضّلوا بقاءه السياسي، في وقت كان من المفترض أن يكون تركيزه الوحيد على الدفاع عن البلاد. وقد عزّز هذا الانطباع من حقيقة أنّ نتنياهو رفض الاستقالة لسنوات، على رغم من محاكمته بتهمتَي الرشوة والاحتيال. ويرى معارضوه أنّ الرفض يشير إلى أنّه يهتم أكثر بمصيره الشخصي من استقرار البلاد. أمّا بالنسبة إلى نتنياهو وحلفائه، فإنّ المحاكمة تُعتبَر محاولة زائفة لإسقاط زعيم منتخب.
ردّ نتنياهو
يعكس ردّ رئيس الوزراء على التحقيق الجديد الطريقة التي اتبعها في تعامله مع محاكمته. وقد أصدر مكتبه بيانات عدة تنفي الاتهامات، واصفاً إياها بأنّها حملة اضطهاد.
وأوضح مكتبه في بيان: «كما كان الحال مع المحاولات السابقة لتضخيم الاتهامات ضدّ رئيس الوزراء والمقرّبين منه، فإنّ الأمر الحالي لن يسفر عن أي شيء على الإطلاق، لكنّه سيؤدّي بالتأكيد إلى طرح أسئلة صعبة حول فرض القانون بشكل تعسفي».
بعد أيام، أصدر المكتب رداً أقوى، مستنكراً احتجاز الأشخاص قيد التحقيق، مضيفاً: «في بلد ديمقراطي، لا يتمّ احتجاز الأشخاص في الحبس الانفرادي لمدة 20 يوماً – من دون الوصول إلى محامٍ لفترات طويلة – لمجرّد استخلاص تصريحات زائفة ضدّ رئيس الوزراء».