Site icon IMLebanon

التصفية الجسدية بعد عجز المحكمة الدولية

سبق اغتيال السيّد مصطفى بدر الدين استهدافه قضائياً واعلامياً في لبنان والعالم بهدف النيل منه، لكن العجز عن اصابته من لاهاي دفع نحو تصفيته في ضواحي دمشق

«بيروت، ايلول 1986: من بين الخمسة الذين قرروا اغتيال الحاج رضوان صباح ذلك اليوم، انا الوحيد الذي بقي على قيد الحياة» (روبرت باير في كتاب «ذي بيرفكت كيل» 2014 الصفحة الاولى).

بهذه الجملة البسيطة قدّم المستشار السابق لمكتب المدعي العام في المحكمة الخاصّة بلبنان والعميل السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية جملة من الاعترافات. اولها أن عمليات الاغتيال والتصفية الجسدية هي من بين اختصاصاته المهنية، ثانيها انه كان مكلّفاً اغتيال القائد العسكري في حزب الله منذ عام 1986، وثالثها أن العملية فشلت وانتحر احد زملائه ومات الآخرون في ظروف غامضة.

اغتالت الاستخبارات الاسرائيلية الحاج عماد مغنية عام 2008. لكن مهمة باير لم تنته. التحق العميل الاميركي بالمحققين في مكتب المدعي العام في المحكمة الخاصة بلبنان ليعمل على مشروع «اغتيال» من نوع آخر، يستهدف هذه المرة اقرب المقربين الى الحاج رضوان: السيّد ذو الفقار. بدا ربط المدعي العام اتهام السيدين مصطفى بدر الدين وسليم عياش بالحاج مغنية واضحاً في القرار الاتهامي الدولي الاول (10 حزيران 2011) الذي جاء في الفقرة 59 منه: «تربط صلات قربى بالزواج بين بدر الدين وعياش، وتشمل هذه الصلات المدعو عماد مغنية بالمصاهرة. وعماد مغنية كان عضوا مؤسساً لحزب الله ومسؤولاً عن جناحه العسكري من عام 1983 حتى اغتياله في دمشق في 12 فبراير/ شباط 2008، وكان مطلوبا على المستوى الدولي بتهمة ارتكاب جرائم إرهابية. استناداً إلى خبرتهما وتدريبهما وانتسابهما إلى حزب االله، فإن من المعقول الاستنتاج أنه كان لدى بدر الدين وعياش القدرة على تنفيذ اعتداء 14 فبراير /شباط 2005».

لم يقدّم المدّعي العام في المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان دليلاً مباشراً واحداً يثبت ضلوع بدر الدين أو اي من المتهمين الآخرين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بل استند حصراً الى تحليلات فضفاضة لحركة الاتصالات الهاتفية ليستخلص المسؤولية الجنائية للمتهمين الخمسة. واحتار المحققون الدوليون في تحديد اسماء بدر الدين وألقابه وملامح وجهه. فذكر المدعي العام انه «صافي بدر أو سامي عيسى أو الياس فؤاد صعب»، لكنه أغفل لقبه الحقيقي «السيّد ذو الفقار». أما بشأن الصور الشمسية، فنشرت المحكمة صوراً لأشخاص لا يشبهون بعضهم بعضا، وساهم الموساد الاسرائيلي من خلال نشر صورة عبر احد المواقع الالكترونية زاعماً انها اكثر دقّة من باقي الصور.

انطلقت المحاكمة الغيابية الدولية للسيّد بدرالدين عام 2014، ومنذ ذلك الحين ما زال عرض المدعي العام وفريقه للأدلة الظرفية مستمراً، ولكن لا بد من الاشارة الى تطوّرات رافقت ذلك العرض الطويل الذي بدا اليوم مضجراً وباهتاً للجمهور الذي كان متحمساً للمحكمة أولاً، وباقي المتابعين ثانياً:

■ تزامن دخول تصنيف «الجناح العسكري» لحزب الله كمنظمة ارهابية حيّز التنفيذ في دول الاتحاد الاوروبي مع انطلاق جلسات المحاكمة الغيابية. بدا ذلك عنصراً ضاغطاً على القضاة الدوليين في المحكمة الخاصّة بلبنان، وبالتالي تدخلاً في المسار القضائي السليم لأن القرار الاتهامي يشير الى انتماء المتهمين الى حزب الله.

■ تجديد الملاحقة الامنية والقضائية الاميركية لأشخاص تزعم انهم يعملون لمصلحة حزب الله ولتمديد العقوبات المالية الاميركية على كل من تشتبه فيه بالتواصل مع الحزب. ولا شك في أن ذلك، اضافة الى تخصيص الادارة الاميركية 500 مليون دولار لتشويه سمعة حزب الله (بحسب افادة السفير جيفري فيلتمان أمام مجلس الشيوخ الاميركي) يزيدان من الاحتقان الداخلي ويتيحان تجاوز قرينة البراءة.

■ اطلاق الاستخبارات الاسرائيلية سلسلة من المزاعم عن الحياة الخاصّة للسيّد بدرالدين عبر احد المواقع الالكترونية بهدف التشهير به والنيل من سمعته وكرامته. وتقاطعت تلك المزاعم مع ادعاءات وردت في القرار الاتهامي الدولي ما يطرح تساؤلات منطقية بشأن علاقات مكتب المدعي العام في المحكمة الدولية بالاستخبارات الاسرائيلية.

■ استمرار الحملات الاعلامية المحلية والعربية والدولية التي تسعى الى رفع مستوى الاحتقان المذهبي الاسلامي وخصوصاً في لبنان وسوريا والعراق واليمن، بهدف تحريض الاكثرية العربية السنية ضدّ اخوتهم وأخواتهم الشيعة من خلال التعميم الاعلامي بأن حزب الله الشيعي يستهدف السنّة في سوريا والعراق واليمن.

لكن في الواقع، عجزت كلّ الضغوط الاسرائيلية والاميركية عن مساعدة المدعي العام الدولي على البحث عن دليل مباشر يجرّم بدر الدين. وفشلت الجهود الواسعة النطاق في «اغتيال» السيّد ذو الفقار اعلامياً عبر المسّ بكرامته وبتاريخه النضالي في وجه العدو الاسرائيلي. ولم يتمكن الادعاء الدولي من اقناع القضاة بأن نتائج تحليلات حركة الاتصالات الهاتفية يمكن أن ترتقي الى دليل جنائي «دون ادنى شكّ معقول» في صحّته.

وبالتالي يرجّح ان فشل القضاء على السيّد بدر الدين قضائياً (المحكمة الدولية) واعلامياً (التشهير) واجتماعياً (الاحتقان المذهبي) استدعى تحرك آلة القتل الاسرائيلية الاميركية لتصفيته جسدياً.