لم يعد يكفي المملكة العربية السعودية أن تتوقف عن ضخ الأموال في وسائل الإعلام اللبنانية بحكم أزمتها المالية المستعصية. باتت تحتاج إلى ضخ اللبنانيين أموالاً في وسائل الإعلام السعودية.
لم تعد وسائل الإعلام السعودية من تشتري الإنتاج اللبناني بأسعار خيالية، بل باتت وسائل الإعلام اللبنانية من تشتري الإنتاج السعوديّ بأسعار خيالية. بدأت هذه الظاهرة إثر هجوم وسائل الإعلام السعودية الضخمة على شركات الإنتاج العالمية لشراء الحقوق الحصرية لبعض البرامج التي لم تكن تجد في السابق أحداً مهتماً بشرائها غير القنوات اللبنانية. استعر التنافس بعد سعي مالك «روتانا» الوليد بن طلال لردِّ صاع رئيس مجلس إدارة «المؤسسة اللبنانية للإرسال» بيار الضاهر بصاعات هنا وهناك. باتت mtv مثلاً مضطرة إلى عقد صفقة مع mbc تعرض بموجبها برنامج The Voice Kids الذي تنتجه القناة السعودية مقابل عرض mbc لبرنامج «ديو المشاهير» الذي تنتجه mtv. كانت الأمور تتعلق ببرنامج في مقابل آخر، إلا أن الأزمة المالية بلغت ذروتها سواء بالنسبة إلى المؤسسات الإعلامية اللبنانية أو تلك السعودية. وهنا تعددت اقتراحات بيار الضاهر لخفض كلفة الإنتاج: تارة ينصح بإرسال سيارة بث مباشر مشتركة واحدة لتغطية الأحداث بدل خمس أو ست، وطوراً ينصح بدمج البرامج الصباحية مثلاً في برنامج واحد لتقاسم كلفة الإنتاج ما دام لا إعلانات تتسابق عليها.
أخيراً تمكن الضاهر ــ بواسطة شريكه وشريك mbc الإعلاني رئيس مجلس إدارة «مجموعة الشويري» بيار الشويري ــ من استغلال الفاقة السعودية المستجدة لاختراق الأبواب السعودية التي أقفلها الوليد بن طلال في وجهه، إذ تشير المعلومات إلى توقيع الضاهر عقداً مع mbc يحظى بموجبه بالحق في إعادة عرض ما يريده من برامج تنتجها القناة السعودية.
وفي ظل تحدث مصادر جدية عن عقد يمتد خمس سنوات يدفع الضاهر بموجبه أكثر من أربعين مليون دولار لتلفزيون وليد الإبراهيم، شقيق زوجة الملك السعوديّ الراحل فهد بن عبد العزيز، أكد الضاهر أن قيمة العقد الذي وقّعه قبل نحو أسبوعين أقل من هذا بكثير، ومدته عام واحد قابل للتجديد. وسواء كان العقد لخمس سنوات بقيمة 43 مليون دولار أو لسنة واحدة قابلة للتجديد بقيمة تصاعدية تبدأ بستة ملايين دولار، فإن الصفعة الموجهة للإنتاج اللبناني كبيرة جداً، ومشهد التحاق شمس التلفزيونات اللبنانية بقافلة الإنتاج الخليجي مذل في أقل تقدير. بدل صرف المليارات في بيروت لإنتاج البرامج، ستستغني «المؤسسة اللبنانية للإرسال» عن المزيد من العاملين لديها والمتعاقدين معها لتشتري بكل بساطة عمل الآخرين، ما يهدد بكارثة وظيفية إضافية في القطاع غير المستقر. في الموسم السابق، كان البرنامج الرئيسي خلال أيام الأسبوع السبعة من إنتاج «المؤسسة اللبنانية للإرسال» أو شركات محلية صغيرة متعاقدة معها. إلا أنّ الصفقة الجديدة ستدفع الضاهر إلى الاستغناء عن بعض هذه البرامج أو غالبيتها لمصلحة برامج mbc. ما بدأ مع «رامز بيلعب بالنار» و«باب الحارة 8» اللذين يعرضان حالياً على شاشة الضاهر، سيستكمل ببرنامجين إضافيين أو أكثر بعده. أضف إلى ذلك طبعاً ربط مضمون ما يوصله تلفزيون الضاهر للجمهور بما يريد العقل الخليجي المتحكم في mbc أن يوصله للجمهور. وهنا تتحدث مصادر قريبة من الضاهر عن مجموعة قطب مخفية، منها السياسيّ بحكم رمزية الانفتاح السعوديّ على الضاهر في هذا التوقيت، من دون أن يتبيّن موقف رئيس «حزب القوات» اللبنانية سمير جعجع من هذا الأمر، ومنها التجاريّ في ظل تأكيد المحيطين بالضاهر أنه لن يقفل استديواته بكل بساطة، ولا شك في أنه ضمَّن العقد دفعه بدلاً مالياً رمزياً والباقي خدمات إنتاجية، علماً بأن المقرّبين من الضاهر يتحدثون منذ مدة عن ترقّب الأخير صرف «مصرف لبنان» قرضاً ضخماً مدعوماً من المصرف بحيث تكون فائدته رمزية فقط، ما يعني أن مصرف لبنان سيدخل عبر «المؤسسة اللبنانية للإرسال» على خط تمويل الإعلام السعودي لإنقاذه جزئياً من أزمته.
والجدير ذكره ختاماً أنّ الصفقة، سواء كانت للأشهر الخمسة المتبقية من هذا العام أو للسنوات الخمس المقبلة، ستريح lbci من عبء البرامج ليتفرغ جهازها على نحو شبه كامل لنشرات الأخبار ومتابعة الأحداث اليومية. هذا ما يخيف الموظفين، خصوصاً أنّ تاريخ «المؤسسة اللبنانية للإرسال» لا يسجّل أي حرص على مصالحهم. من جهتها، ستجد التلفزيونات الأخرى نفسها الآن أمام منافسة غير متكافئة، رغم وجهة النظر القائلة بأنّ قنوات mbc متاحة لغالبية الجمهور اللبناني منذ سنوات. لكن لو كان المشاهد اللبناني مهتماً ببرامجها، لكان غيّر المحطة بكبسة زر من القنوات اللبنانية إليها، إلا أنه يهتم بالبرامج المحلية أكثر، ولا يمكن تحميل نجاح The Voice Kids على mtv في هذا السياق أكثر مما يحتمل.