تثير التغطية الإعلامية التي يحظى بها الحراك ريبة الكثيرين. صحيح أن لا صوت يعلو فوق صوته في لبنان حالياً، إلا أن ما يسبب “نقزة” لدى جزء من الجمهور، هو انخراط مؤسسات إعلامية من صلب النظام في التغطية «الحماسية». «أل بي سي آي» نموذج لهذه المؤسسات. وبعيداً عن نظرية المؤامرة، هل تفسر زيارة بيار الضاهر الى قطر قبل يومين حماسته الثورية المستجدة؟
قبل يومين، سافر إلى قطر رئيس مجلس إدارة المؤسسة اللبنانية للإرسال انترناشيونال (أل بي سي آي) بيار الضاهر وزوجته رندا. بقيا في الإمارة الغازية أقل من 24 ساعة، قبل أن يعودا إلى بيروت. قبلهما، زارت الدوحة نائبة رئيس مجلس إدارة محطة «الجديد»، كرمى الخياط، يوم الخميس الماضي، وعادت في اليوم نفسه.
في الكواليس الإعلامية، تؤكد مصادر «الجديد» ان زيارة الخياط متصلة بالتفاوض مع قناة «بي إن» الرياضية القطرية، في إطار مشروع الكايبل الموحد الذي تعمل على تنفيذه محطات التلفزة اللبنانية. ويضيف أحد أصدقاء رئيس مجلس إدارة الجديد تحسين خياط أن «أي اتفاق استراتيجي» مع أي جهة محلية او خارجية يحتاج إلى وجود خياط الأب، الذي لم يغادر الـ»كوت دازور» خلال الأيام الماضية. وبالتالي، «يستحيل ان تكون لزيارة كرمى إلى قطر أي صلة باتفاق مع النظام القطري على اتباع المحطة سياسة ما بما يخص الحراك أو غيره».
يصعب ان يلقى هذا التفسير اذاناً صاغية لدى قوى السلطة، ولا لدى المرتابين من الدور القطري في نشر «الربيع العربي» وآثاره التدميرية في أكثر الدول التي أصابها.
أصدقاء الضاهر نقلوا عنه كلاماً آخر: «وضعي المالي صعب.
يقول الضاهر إن وضع مؤسسته المالي صعب ويحتاج شهرياً مليون دولار للرواتب
ولدي نحو مليون دولار رواتب شهرياً، وعلى المحطة ان تستمر».
أيام شبابه، كان بيار الضاهر يحلم بالثورة على «الإقطاع»، فوجد ضالته في حزب الكتائب. إلا ان والده، يوسف الضاهر، اختار سمير جعجع لقيادة «الثورة». لكن الحلم لم يفارق عقل بارون الإعلام اللبناني. وها هو اليوم يقود، إعلامياً، الثورة على النظام. الضاهر عاش، منذ توقف الحرب الاهلية، ودخول قائد القوات اللبنانية سمير جعجع الى السجن، على تسويات مع اركان النظام في لبنان والرعاة في سوريا والسعودية واميركا.
وبعد خروج جعجع من السجن وقراره استعادة «أل بي سي» منه، ارتمى الضاهر اكثر في احضان هذا النظام. وبرغم كونه شريكا تجاريا للامير الوليد بن طلال، قصد الضاهر سليمان فرنجية. مطلع عام 2010، كان على فرنجية ان يحمل «ظلامة» الضاهر إلى الرئيس السوري بشار الأسد. قال النائب الشمالي للأسد: انا أعرف بيار أكثر منك، وهو لم يلتزم معي في أي عهد. لكن «أل بي سي» معه أقل ضرراً منها بيد سمير جعجع. قبل ذلك بيوم، كان الضاهر قد وسّط كريم بقرادوني، فزار الأخير رئيس مكتب الامن الوطني في دمشق اللواء علي مملوك. أركان الدولة السورية وقفوا إلى جانب الضاهر. اتصل الأسد بنائب وزير الخارجية السعودي، عبد العزيز ابن الملك عبدالله، طالباً منه التدخل لدى الحريري لحماية الضاهر من القضاء اللبناني. ذلك الزمن كان زمن الـ «سين – سين». بعث ابن عبدالله برسالة إلى الرئيس سعد الحريري، طالباً منه الوقوف إلى جانب الضاهر. فعل الحريري ذلك ممتعضاً.
لكن مظلة الأسد لم تدم طويلاً. سقطت الـ»سين سين» لاحقاً، فاهتز موقف الضاهر القضائي. مجدداً، عاد إلى النظام. في عز الحرب السورية، قصد دمشق اكثر من مرة، طالباً المساعدة. قصد «حزب الله» مرارا، ثم وجد ضالته أخيراً لدى الرئيس نبيه بري، فصدر حكم قضائي جديد لمصلحة رئيس مجلس إدارة «أل بي سي آي». وفيما هو «يتقاتل» مع جعجع، فاجأه «الشيخ بيار» بطلب مساعدة عاجلة، لمنع تنفيذ قرار قضائي بإخلاء مبانٍ لـ «أل بي سي» يريد الوليد بن طلال وضع يده عليها. وافق جعجع، لأن «بيارو» عرض الأمر وفق صيغة «الحفاظ على أملاك المؤسسة للمسيحيين، عوض ان تحط في جيب امير سعودي».
من جعجع إلى فرنجية، ومن آل سعود إلى الأسد، ومن بري إلى الحريري، كان الضاهر يمثل أحد الوجوه الإعلامية للنظام. النظام نفسه الذي يقود ابنه البار ــ إعلامياً ــ الثورة عليه اليوم. للامانة، افكار «هز النظام» لم تفارقه. فقبل أربع سنوات، اقترح على فريق العمل داخل المؤسسة اللبنانية للإرسال اتباع برنامج عمل يدعم بصورة واضحة عدداً من المرشحين إلى مجلس النواب، بهدف إيصال نسبة تعمل على التغيير من الداخل. لكن هذه الفكرة بقيت كلاماً على لسان الشيخ من دون ان تصل إلى أي نتيجة.
قبل أسابيع، اكتشف الضاهر نفسه في ساحتي رياض الصلح والشهداء، فقرر ركوب موجة الحراك. شارك شخصياً في أكثر من اعتصام، قبل ان يصدر «أمره» في القناة: نحن مع هذا الحراك قلباً وقالباً، ولا مكان بيننا لأي شخص لا يعمل بهذا التوجه. لم يجد الضاهر في فريق عمله من هو قادر على مواكبة الحراك بالصورة التي يريدها، فتقاطعت رؤيته «الثورية» مع أفكار الزميل خالد صاغية، المستقيل من «أل بي سي آي» قبل مدة وجيزة. عاد صاغية، منحه الضاهر صلاحيات مطلقة في نشرة الأخبار وتقاريرها، كما في البرنامج الصباحي «نهاركن سعيد». لا يمكن معد البرنامج ولا مقدّميه اختيار ضيوف الحلقات ولا مواضيعها من دون استشارة صاغية. كذلك الأمر بالنسبة لمَحاوِر المقابلات. وبناءً على هذا التوجه، أقصت الزميلة دوللي غانم نفسها عن تقديم البرنامج الذي بقي لزملائها الثلاثة: ديما صادق وبسام ابو زيد وندى أندراوس عزيز. وبدأت ملامح السياسة الجديدة للضاهر تظهر على الشاشة بوضوح. حماسة بلا حدود في تأييد الحراك، وتعمّد إبراز قادة الحراك ونشطائه الآتين من المجتمع المدني، وأولئك الأقرب من زملائهم إلى قوى 14 آذار، والمعادين لحزب الله. ولاقت المحطة خطاب جزء من ناشطي الحراك، الذين لم يرفعوا شعاراً سياسياً غير ذلك المعادي لحزب الله والتيار الوطني الحر. ظهر ذلك مع عدد من الناشطين والإعلاميين الذين استضافتهم، وفي الأسئلة التي تُطرح عليهم، فضلاً عن تعمّد القناة رفع صورة السيد حسن نصر الله بين باقي الزعماء واتهامهم بالفساد، في واحدة من تغطياتها من ساحة الشهداء قبل تظاهرة السبت الماضي.
يبقى داخل المحطة سؤال مركزي: هل سيفرض الضاهر على مارسيل غانم «تأييد الثورة»، وفق أجندته الحالية، أم أن الحماسة الثورة ستقف عند حدود «كلام الناس»؟