Site icon IMLebanon

لا رهانات لبنانية على إنفراجات قريبة!

 

زيارة الموفد الفرنسي بيار دوكان إلى بيروت تنطوي على محاولة فرنسية جديدة لإعادة الحياة إلى العملية الإصلاحية المتوقفة في لبنان، بسبب الشلل الذي أصاب مجلس الوزراء، بعد أسابيع قليلة من نجاح المساعي الفرنسية في توليد الحكومة الميقاتية.

 

مهمة الديبلوماسي الفرنسي محفوفة بكل أسباب التعثر والفشل، نتيجة المواقف المتشنجة بين الأطراف السياسية المكونة للحكومة، وخاصة بين الثنائي الشيعي وحليف حزب الله التيار الوطني الحر، ومعه فريق رئيس الجمهورية، حول إصرار الثنائي على الإستمرار في تعطيل جلسات الحكومة إلى حين تغيير المحقق العدلي طارق البيطار.

 

كما لم يعد من السهولة على الجهود الفرنسية تجاوز مضمون البيان السعودي ــ الفرنسي الصادر في جدة، إثر المحادثات المطولة التي أجراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والذي حدّد خطوات ما يمكن إعتباره «خريطة طريق» لخروج لبنان من نفق أزماته، وفي مقدمتها حصر وجود السلاح في يد السلطة الشرعية، وتطبيق القرارات الدولية ١٥٥٩ و١٧٠١، ووقف تدخل حزب الله في الإقليم، وإعادة لبنان إلى الصف العربي، وتحقيق الإصلاحات الداخلية التي تعهدت بها الحكومات اللبنانية المتعاقبة.

 

وجاءت جولة ولي العهد السعودي في دول مجلس التعاون لتؤكد الإلتزام الخليجي بمضمون بيان جدة، بما في ذلك إعتبار حزب الله منظمة إرهابية، بحيث لم يعد ممكناً البحث في وساطة أية دولة خليجية، كما كان يُروّج بعض أطراف السلطة في لبنان، عن جهود قطرية لترطيب العلاقة بين بيروت والرياض، تمهيداً لإنهاء القطيعة السعودية مع بلد الأرز.

 

في ظل هذه الأجواء الملبدة بشتى ألوان الغيوم الداكنة، المحلية والعربية، من أين يبدأ دوكان مهمته الصعبة: من تليين مواقف الثنائي الشيعي من عودة جلسات مجلس الوزراء، لإطلاق الورشة الإصلاحية التي طال إنتظار الدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية لها؟ أم من تهدئة التشجنات بين فريق رئيس الجمهورية وحزب الله؟ وهل يستطيع إقناع أهل الحكم بأن صبر فرنسا ومعها المجموعة الدولية قد نفد، والعواقب ستكون وخيمة، في حال تُرك لبنان لوحده في مواجهة مضاعفات الإنهيارات المتتالية، دون المساعدات المالية المنتظرة من الخارج؟

 

الواقع أن اللبنانيين أنفسهم لم يعودوا يراهنون على إنفراجات سريعة في أزماتهم التي تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، مع هذه المنظومة الحاكمة المتلهية بصراعاتها على ما بقي من مكاسب السلطة، والتنافس على الإستئثار بالقرار دون مراعاة أبسط قواعد الشراكة الوطنية، ولا أدنى مصالح الدولة التي وصلت إلى مشارف الإحتضار السريري، وسقوط أكثرية اللبنانيين في مهاوي الفقر والعوز.

 

لقد أصبح واضحاً أن حزب الله المهيمن على مسار الحركة السياسية في البلد ليس في عجلة من أمره لفك أسر الحكومة، وإعادة الوزراء الشيعة إلى جلسات مجلس الوزراء، قبل تحقيق مطلبه في «قبع» القاضي البيطار وإبعاده عن ملف التحقيقات في إنفجار المرفأ.

 

ورغم الإلحاح المتزايد لرئيس الجمهورية وفريقه السياسي على رئيس الحكومة بالدعوة إلى عقد جلسة للحكومة بمن حضر، إلا أن مثل هذه الخطوة ستؤدي إلى تأجيج الخلافات وتزيد الأوضاع تعقيداً، وقد تؤدي إلى قفزة في المجهول، وتضع البلد أمام أسوأ الإحتمالات، طالما بقيت الأبواب موصدة أمام محاولات الحلول.

 

لعل من سخرية القدر أن رئيس الجمهورية الذي إعتمد أسلوب التعطيل لمجلس النواب سبيلاً للوصول إلى قصر بعبدا، تعرض عهده لأطول فترات من التعطيل، سواء عبر حكومات تصريف الأعمال، أو بسبب الخلافات المتصاعدة مع الأطراف السياسية الفاعلة، بما في ذلك حزب الله حليفه الوحيد.

 

وثمة من يرى أن الفترة المتبقية من ولاية العهد العوني قد تُستهلك في دوامات التعطيل، حيث ما أن تنتهي واحدة حتى تبدأ دوامة جديدة، الأمر الذي يؤكد وقوع البلد ضحية لسوء إدارة المنظومة السياسية الفاشلة في الحد من الإنحدارات المدمرة.

 

أخشى ما يخشاه العاقلون أن تنتقل عدوى الإحباط والخيبات التي تفتك باللبنانيين إلى الأليزيه عبر بيار دوكان فيعود إلى بلاده خالي الوفاض، وخائباً من عقم الطقم السياسي الحالي الذي أوصل البلد إلى مهاوي الإفلاس، فينصح رئيسه بطوي صفحة لبنان إلى ما بعد الإنتخابات النيابية، على الأقل، هذا إذا حصلت هذه الإنتخابات في موعدها الدستوري!