الاستغلاليون هم أساتذة الحرب النفسية في التجارة، ويمارسونها بأساليب مختلفة ولكنهم ينجحون في كل مرة بالفوز وبتحقيق أرباح طائلة من المال الحلال أو الحرام. وآخر مثال على ذلك، هو أمثولة النفايات. وكان يكفي إغراق البلاد بتسونامي من الزبالة لعدة أشهر، لوضع الرأي العام المعترض على الصفقات والفساد، أمام أحد خيارين: اما الموت فطساً تحت الركام، واما التخلص من النفايات بأي ثمن! وحتى أكثر المعترضين ذكاء وقع في فخ الاستغلال وخدم أهدافه دون أن يدري أو يرغب. وعندما كان المعترضون في الشارع يرفعون الصوت بالتحذير من الأضرار القاتلة للنفايات وعلى الصحة العامة، كان يسارع الاستغلاليون الى وضع مكبرات الصوت أمام أفواه المعترضين حتى الصوت يودي! وكان الاستغلاليون يوظفون هذه الحملات البريئة لخدمة أهدافهم الخبيثة اذ كلما تضخمت المخاوف من أخطار النفايات، تضخمت قدرتهم على الاقناع بالعمل على التخلص من النفايات بأي ثمن! والثمن يتضخم طبعاً في حساباتهم السرية في الخارج! أكثر من ذلك، حرص الاستغلاليون على اعطاء درس تأديبي للمعترضين، مفاده: ما دمتم تراذلتم واعترضتم على أسعار سوكلين فذوقوا إذن أسعار الترحيل الى الخارج! وفحوى هذا الدرس: اذا أزعجتكم قرصة الذبابة، فذوقوا إذن لسعة العقرب!
السياسة تحولت في لبنان الى دوامة، وكل زعيم يوهم نفسه بأنه يتحرك في الاتجاه الصحيح، بينما هو يدور حول نفسه وفي المكان نفسه! وهذه الحالة مستمرة الى أجل غير مسمى لسبب جوهري هو… انه يوجد في لبنان عقلاء وحكماء وأطهار، ولكن ليس بيدهم القرار والحل والربط. ومن بيده القرار والحل والربط يدور في فلك آخر! واذا حسبناها على الورق نجد أن جوهر المشكلة هو موقف زعيمين حصراً. الأول هو الجنرال عون الذي يقول إن الرئاسة من حقه، فإما أن يصبح رئيساً وإما لا أحد الى أن تنضج الظروف! والآخر هو الرئيس سعد الحريري الذي كان من المرونة بحيث إنه دعم مرشحاً من الفريق الذي يضم العماد عون، ولكن لسان حاله يقول: أي رئيس ما عدا العماد عون! والحسبة على الورق تقول: أفضل تركيبة للبنان في الظروف الراهنة والآتية هو أن يكون عون رئيساًَ للجمهورية وسعد الحريري رئيساً للحكومة، فلماذا يستمر كل منهما بالدوران حول نفسه ولا يخرج عن محوره في اتجاه ملاقاة الآخر؟
لكسر دوامة هذا الدوران، ينبغي وضع قاعدة جديدة للحوار بينهما لا تقوم على أساس وضع برنامج عمل مشترك لهما في العهد الجديد، وانما تقوم على قاعدة أن يتعهد عون بألا يقدم على ما يتخوف منه سعد الحريري عندما يصبح عون رئيساً للجمهورية. وأن يتعهد الحريري بألا يقدم على ما يتخوف منه عون عندما يصبح الحريري رئيساً للحكومة!