الانتخابات التي جرت في إيران لا شك في أنها حدث كبير ولكن الترحيب الذي أعلن عنه الحرس الثوري جعلنا نتوقف ولو قليلاً عند تلك الانتخابات ومدى صدقيتها ومدى السماح للشعب الايراني بأن يمارس حقه في التعبير عن نفسه وحقه في ممارسة الديموقراطية التي يعشقها كل شعب في العالم.
ومن المبكر جداً أن نحكم على نتائج تلك الانتخابات وأن نرى حقيقة ما يريده الحرس الثوري الحاكم الفعلي لدولة إيران الاسلامية، إذ أنّه أصبح معروفاً جداً أنّ الحاكم الحقيقي للدولة هو الحرس الثوري وكل ما يُقال عن ديموقراطية أو مناخ حرية ليس له أي صدقية، وعلى سبيل المثال كل الكلام عن الإنفتاح والاستثمارات التي تنتظر بفارغ الصبر وكل دول العالم التي تنتظر في الدور وأنّ إيران دولة إقتصادية لن تتكرر في العالم… وتبيّـن أنّ هذا الجو غير دقيق وأنّ القوانين التي تحمي المستثمر غير موجودة وهذا أنتج ردّ فعل سلبياً عند الدول التي كانت راغبة في الاستثمار.
مثال ثانٍ: منذ عدّة أيام ساد جو في أسواق النفط أنّ إيران تريد أن تزيد كمية إنتاجها 500 ألف برميل يومياً وهذا تلاعب بالسعر حيث كان السعر 29 دولاراً للبرميل فعندما طرح موضوع زيادة الكمية ارتفع الى 34 دولاراً للبرميل ولكن تبيّـن بعدها أنّ الإنتاج بحاجة الى سنة كاملة لتستطيع إيران أن تزيد الإنتاج 500 ألف برميل يومياً.
نعود الى نتائج الانتخابات، فقد قالت وزارة الداخلية الايرانية إنّ الاصلاحيين حصلوا على 85 مقعداً، في حين حصل المحافظون المعتدلون على 73 مقعداً، ما يجعلهما في الصدارة بـ158 مقعداً في مجلس الشورى الذي يضم 290 مقعداً، وتراجع عدد مقاعد المحافظين المتشددين الى 68 بعدما كان 100 مقعد في الدورة الحالية، وبقي 64 مقعداً سيذهب خمسة منها للأقليات الدينية، و59 سيتقرر من يشغلها في جولة الإعادة.
وأظهرت النتائج أن المعتدلين حصلوا أيضاً على 59 في المئة من مقاعد مجلس الخبراء الذي يضم 88 مقعداً، وفاز 11 مستقلاً غير معروفة انتماءاتهم السياسية حتى الآن.
وأبرز المحافظين الراسبين رئيس مجلس الخبراء محمد يزدي، وكذلك تقي مصباح المتشدّد بين المحافظين.
والملاحظ أنّ الاصلاحيين احتفلوا بالفوز بكامل لائحتهم في طهران، حتى رجل الأصوليين الأقوى غلام حداد عادل، لم يجد لنفسه مكاناً في مركب الرابحين، وأسماء أخرى من الرموز الاصولية ستنتظر سنوات أربع مقبلة قبل أن تفكر بالعودة مجدداً الى مكاتبها في مجلس الشورى الاسلامي، لكن هذا ليس كل المشهد، إذ ستجرى دورة ثانية في نيسان أو أيار المقبلين يخوضها مرشحون لـ57 مقعداً على الأقل، بعدما فشلوا في الحصول على عدد كاف من الاصوات تؤهلهم للفوز من الدورة الاولى.
وهذه الدورة الثانية ستوفر مجالاً للحرس الثوري في تعديل النتائج وفق ما يرتئيه هو والمتشدّدون.
ويبقى السؤال: هل سيتمكن الرئيس الاصلاحي حسن روحاني من حكم إيران وفتح صفحة جديدة مع العالم الخارجي تشكل فرصة لعودة الدولة الايرانية الى المجتمع الدولي متخلية عن مشاريع وهمية ليس لها أي أفق وثبت أنها فاشلة خصوصاً قول المرشد الأعلى آية الله خامنئي إننا نسيطر على أربع عواصم عربية، وتبيّـن فعلاً أنهم لم يسيطروا على عاصمة واحدة، وكل الذي فعلوه أنهم خربوا العواصم العربية الأربع وهذا هو بشكل قاطع في مصلحة إسرائيل ومِن أجلها بالرغم من الادعاءات الجوفاء أنهم يريدون تحرير القدس وغيرها من شعارات فارغة لم يصدقها أحد وبدأت تتكشف أكاذيبها.
ومن ناحية أخرى، أين «فيلق القدس»؟ وأين «الموت لأميركا»؟ وأين «الشيطان الأكبر»؟ وأين «الشيطان الاصغر»؟!.
أخيراً نتمنى أن تعقل الإدارة الايرانية وتعود الى ممارسة دور ايجابي وكفى شعارات وكفى فتنة بين أهل السُنّة والشيعة وارحموا الاسلام من كل تلك الخزعبلات التي هو بريء منها.