ما إن بدأ المجتمع اللبناني بالانخراط في عالم التكنولوجيا، وبدأ معدل استخدام البطاقات الائتمانيّة ومواقع التواصل الاجتماعي والهواتف الذكيّة بالازدياد، حتى تحوّلت القطاعات التكنولوجية فيه إلى أرض خصبة لما يُسمّى «القرصنة الإلكترونيّة»، التي تتنوع أهدافها ودوافعها بين السياسي، المالي، الشخصي، أو بهدف الجرائم الإلكترونيّة، ومنها ما يُحقق نجاحه أو فشله.
وفي الأشهر الأخيرة، ومع «ازدهار» القرصنة في العالم، بات اختراق المواقع الإلكترونية والحسابات أمراً منتشرا في لبنان، حتى أن بعض المواقع أقفلت حساباتها لساعات نتيجة القرصنة. وقد نجح القراصنة في الآونة الأخيرة في اختراق قناة «المستقبل» بهدف السيطرة على أرشيفها وابتزازها ماليا، إلا أن الفريق التقني في القناة استطاع خلال ساعات من استرجاع البيانات وأعاد العمل الى طبيعته بغضون ساعات، الأمر الذي فتح المجال لطرح العديد من الأسئلة: من يعاقب المقرصنين في لبنان؟ وهل هناك قوانين وعقوبات تطال المقرصن؟ وهل هو تحت مجهر السلطة؟.
يوضح مساعد رئيس مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية الملازم اول أيمن تاج الدين بأن «ظاهرة القرصنة تنتشر في لبنان ولكنها لا تزال محدودة، ويقتصر الأمر على قرصنة صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أو البريد الالكتروني لأسباب خاصة او عاطفية او سياسية، إذ غالبا ما يكون المقرصن على علاقة أو معرفة بالضحية، إضافة الى قرصنة الخوادم والمواقع الإلكترونية لبعض المؤسسات والشركات اللبنانية، كما تسجل بعض حالات القرصنة بقصد الابتزاز المادي مصدرها لبنان».
وعن دور المكتب في التتبع والرصد والملاحقة يؤكّد تاج الدين أنّ «بين التعدي على الخصوصيّة ورصد المقرصنين خطوة واحدة، إذ لا يجري رصد مواقع التواصل الاجتماعي أو شبكة الانترنت بشكل دائم. ويكلف القضاء بهذا الشأن ويكون التكليف اجمالاً بناء على شكوى او ادعاء مقدم من الضحية او الجهة المتضررة من عملية القرصنة الى الجهة القضائية المختصة حيث تتم مراقبة الصفحة الشخصيّة المحددة للمشتبه به أو المدعى عليه وذلك بعد أخذ موافقة القضاء على كل خطوة، ولدى التحقق في بعض الحالات من وجود أعمال قرصنة تضر بالصالح العام او المؤسسات العامة نقوم بإطلاع القضاء عليها ونتقيد بإشارته لجهة اتخاذ اي اجراء قانوني من استدعاء للأشخاص او توقيفهم او تركهم أو إغلاق مواقع مشبوهة تستخدم للإيقاع بمستخدمي شبكة الانترنت».
ويوضح أنه في سياق التحقيقات «نقوم بطلب معلومات محددة المضمون والتاريخ والوقت عن الفاعلين حصراً ويتم عرض الطلبات على القضاء وأخذ الموافقة الخطية عليها تمهيداً لاستثمارها وإلقاء القبض على الفاعلين وفقاً للقوانين المرعية الاجراء».
وعن دور المكتب الى جانب التحقيقات والتعقبات التقنية، فإنه يأخذ على عاتقه حملات التوعية في المدارس والجامعات والجمعيات المختلفة ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة. أمّا عن الأجهزة المتطورة لرصد المقرصنين، يتم تحديث معدات المكتب دورياً وفقاً للإمكانيات المتوافرة لدى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي التي تولي اهتماما خاصا بهذا المجال، اضافة الى تأمين الكادر البشري المتخصص. يوضح تاج الدين: «إن القضاء يستند إلى نصّ قانون العقوبات وأصول المحاكمات الجزائيّة للحكم على المقرصنين في ظل غياب قانون خاص بجرائم المعلوماتيّة في لبنان. أما المقرصنون الموجودون خارج الحدود اللبنانيّة فإن ملاحقتهم أكثر تعقيداً ويعود ذلك إلى اختلاف النصوص القانونية بين بعض الدول. إذ ان ما يعتبر جرماً وفقاً للقانون اللبناني قد لا يعتبر كذلك في بعض الدول الأخرى بالإضافة الى المدة الزمنية الطويلة التي تستلزمها المراسلات بين الدول لإلزامية مرورها عبر قنوات قضائية او دبلوماسية خاصة». ويؤكد بأن «المسؤولين غير غافلين عن أهمية هذا الموضوع، إذ يجري حاليا مناقشة مشروع قانون خاص بالجرائم الالكترونية في اللجان المختصة في المجلس النيابي، كما إن موضوع التعاون الدولي والانضمام الى المعاهدات الدولية (خاصة معاهدة بودابست) المتعلقة بالتعاون في مجال الجرائم الالكترونية، هو على طاولة البحث».
ويعتبر البعض أن تكنولوجيا المقرصنين أقوى من تكنولوجيا أي دولة في العالم. بهذا الخصوص يلفت تاج الدين إلى أن «حرية المقرصن في الحركة تفوق في هذا المجال، امكانية العناصر الأمنية الذين يرتبطون بقوانين واجراءات محددة بخلاف المقرصن. إذ ان اهتمام الأخير ينحصر في قرصنة او خرق محدد بقصد الربح المادي او المعنوي بينما هدف القوى الامنية مواجهة كافة المقرصنين باختلاف اهدافهم لتأمين الحماية الشاملة. لكن في النهاية لا يمكن لإمكانيات المقرصن أن تتجاوز إمكانيات الدولة إذ إن الأخيرة في تطور مستمر لمواكبة تكنولوجيا المعلومات وامكانيات المقرصنين التي تتزايد بشكل سريع».
وعن امكانية مكافحة القرصنة يقول: «المكافحة تبدأ من مستخدم الانترنت بشكل عام عبر التوعية المستمرة لمخاطر الولوج الى بعض المواقع الالكترونية المشبوهة أو الضغط على روابط غير موثوقة».
ويشير المدير الإداري لشركة «مكافي» في الشرق الأوسط وتركيا طارق جُندي إلى أنه «في كل عام نشهد ازديادا في تعقيد الهجمات الإلكترونية، إذ شهدت سنة 2016 زيادة في جميع المجالات، بما في ذلك البرمجيات الخبيثة وفيروسات الهواتف الذكية وفيروسات الفدية وفيروسات نظام تشغيل الماك. وقد شهد القطاع العام أكبر عدد من التهديدات الإلكترونية على الإطلاق».
ويؤكد بأن «النقلة من الشبكات ونظم تكنولوجيا المعلومات التقليدية إلى المنصات العامة والمختلطة (الهجينة) غيرت شكل الهجمات الإلكترونية تغييرا شديدا، إذ أن الخدمات السحابية (وهي إمكانية تصفح وتحرير الملفات من أي مكان في العالم) تتضاعف وتنمو وتزداد بسرعة مذهلة، ما يتيح للمؤسسات والمقرصنين والدول فرصا جديدة للاختراق». ويضيف: «من المتوقع أن تزداد الهجمات، مثل: فيروسات الفدية التي ستبقى تهديدا خطرا للغاية وهو (برنامج خبيث يقيد الوصول إلى نظام الحاسوب الذي يصيبه، ويطالب بدفع فدية لصانع البرنامج من أجل إمكانية الوصول للملفات)، وتهديدات منصات إنترنت الأشياء، والبرمجيات الخبيثة على الهواتف الذكية».
وبالنسبة للأرقام، فقد سجلت «شبكة مكافي لابس» الخاصة بمعلومات التهديدات العالمية تحولات كبيرة في معدلات نمو التهديدات الإلكترونية والهجمات على شبكة الإنترنت ضمن العديد من القطاعات، إذ تراجعت أعداد البرمجيات الضارة الجديدة بنسبة 17 في المئة بينما ارتفع العدد الإجمالي لهذه البرمجيات بنسبة 24 في المئة ليصل إلى 638 مليون برمجية.
أما برمجيات الأجهزة الجوالة الخبيثة فقد تراجعت بنسبة 17 في المئة، ليرتفع العدد الإجمالي لهذه البرمجيات بنسبة 99 في المئة في عام 2016. في المقابل انخفض عدد برمجيات انتزاع الفدية الخبيثة الجديدة بنسبة 71 في المئة، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى ضعف القدرة العامة على الكشف عن هذا النوع فضلاً عن تراجع برمجيات أخرى خاصة بالتشفير مقابل الفدية مثل Locky و Crypto Wall وقد ارتفع العدد الإجمالي لبرمجيات الفدية الخبيثة بنسبة 88 في المئة في عام 2016.
وبالنسبة للهجمات الإلكترونية ضد القطاع العام فقد شهد هذا العام أكبر عدد من الحوادث الأمنية، وتعتقد مكافي بأن ذلك قد يكون نتيجة المتطلبات الأكثر صرامة للإبلاغ عن الحوادث الأمنية وتبادل المعلومات حولها. وفيما يخص القطاع المالي، فقد أدت الهجمات على رموز «السويفت» ضمن قطاع المصارف إلى قفزة نوعية في أعداد الحوادث الأمنية خلال الربع الثاني.
وعن الحماية من القرصنة يختم بالقول: «لا يوجد حل سحري للحماية من القرصنة، فحيثما تتوافر مكاسب مادية أو شخصية توجد القرصنة.»