المؤكد الوحيد على المستوى الحكومي هو موعد الإستشارات النيابية الملزمة الإثنين المقبل، وما دون ذلك لا شيء مؤكداً بعد. فالخيارات مفتوحة في أكثر من اتجاه، عززتها ضبابية مواقف النواب ورؤساء الكتل النيابية من تسمية المرشح الوحيد المعلن بناء على المشاورات السياسية، المهندس سمير الخطيب.
والمفارقة أنه كلما صار الغد لناظره قريباً زادت الشكوك بوجود نوايا مبطنة تمهد لخيارات مختلفة، أهمها كان أمس موقف النائب نهاد المشنوق من دار الفتوى، والذي اكتفى بدعم الخطيب كصديق ولكن سبقه موقف رؤساء الحكومات السابقين، من فؤاد السنيورة الذي لم ير أن الخطيب رجل المرحلة، إلى نجيب ميقاتي الذي لا يرى مرشحاً للرئاسة الثالثة أصلح من سعد الحريري.
وثاني المؤشرات وأهمها عملياً هو الحراك الشعبي الذي تزيد حدة معارضته للخطيب، ما ينذر بإمكانية وجود اتجاه لقطع الطرق يوم الإستشارات، أما ثالثها فاستمرار نواب “المستقبل” في الإصرار على ترشيح الحريري. يضاف الى كل هذه المؤشرات الحملة التي تشن في مواجهة الخطيب وتصويره أنه فاسد.
واضح أن حظوظ الخطيب لا تزال قائمة لكنها لا تدفع الرجل إلى النوم مطمئناً على حرير الوعود. وإذا كان توافق مع الأطراف التي التقاها على عناوين حكومته العريضة، الا أنه يلمس وكأن بعض الوعود التي قطعت لتأييده قد لا تكون نهائية.
لم يشهد لبنان أنه ذهب إلى استشارات نيابية لتكليف رئيس جديد للحكومة في ظل مثل هذه الضبابية، لا قبل الطائف ولا بعده وهذا أمر يؤكده الرئيس السابق لمجلس النواب حسين الحسيني، مشيراً إلى أن “رئيس الجمهورية قبل الطائف كان يجمع الشخصيات المؤهلة لرئاسة الحكومة في صف واحد ليختار من بينها شخصية لتشكيل الحكومة. وفي العام 1974 كُلف صائب سلام وكانت معه الغالبية النيابية، عرقلوا تشكيل حكومته، إعتذر، فسمي رشيد الصلح من دون استشارات. كان رئيس الحكومة ومعه الحكومة هما المسؤولان امام مجلس النواب وباتوا يشبّهون الأمر مثل إبن الملك الذي يعينون إلى جانبه دائماً إبن الشعب، فإذا أخطأ يعاقب إبن الشعب وليس إبن الملك”.
لكن ماذا لو أخلّت الكتل النيابية بوعدها تسمية الخطيب؟ فرضية لا يستبعدها مقربون من رئيس الجمهورية “حينها ستترك الأمور وفقاً للدستور كي يكتشف اللبنانيون علاّته وتتوضح أكثر أسباب تريث رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالدعوة الى الإستشارات”.
غير أن المسألة هنا لا تقتصر على أمور دستورية بقدر ما تعكس تفاقم الأزمة، وهنا من باب الاحتياط لا بدّ من أن تكون القوى السياسية قد وضعت خطة “باء” لمواجهة أي خلل بالإتفاق المفترض. ولا تستبعد مصادر مشاركة في المشاورات أن الخيارات كلها مفتوحة، والأمور لا تزال في دائرة التشاور، غير أن الحسم بات قريباً ومن اليوم وحتى الإثنين المقبل قد تتغير المعطيات ونكون أمام مستجدات مختلفة، خصوصاً وأن الخليلين اللذين حرصا طوال الفترة الماضية على تسهيل مهمة الحريري لحثه على العودة إلى رئاسة الحكومة، لم يقطعا الأمل بعد. وفي حال سقوط خيار الخطيب في الشارع أو في حال لم يكتمل التوافق على تسميته حتى موعد الإستشارات، قد تتم العودة إلى خيار الحريري أو نكون أمام خيار ثالث مختلف.
وليس بعيداً أن يكون قد تمّ تحديد الموعد على بعد أيام من اليوم كي تتوضح صورة الشارع، ويتم التوافق على ما تبقى من تفاصيل يجري بحثها مع الخطيب والحريري معاً. هنا، وفي حال تعقدت شروط تكليفه، هل يتنازل الخطيب عن نفسه في اللحظات الأخيرة لمصلحة الحريري، خصوصاً إذا صار على قناعة أن تكليفه قد لا يحظى بمظلة سنّية باتت أمراً واقعاً وشرطاً من شروط الإتفاق على أي مرشح حكومي؟
بناءً على معطيات الساعات الأخيرة الفاصلة، فإن الاتصالات بين الثنائي الشيعي والحريري لم تتوقف حتى وإن كانت حظوظ الخطيب متقدمة على باقي المرشحين، غير أن الابواب لم توصد بعد بوجه خيار الحريري نهائياً، وليس مستبعداً في ظل هذه الأجواء أن يُعطى الحريري فرصة واحدة ونهائية قبيل ساعات قليلة من بدء الاستشارات، ليأتيه مساء الأحد من يسأله في “اجتماع حاسم” ولمرّة أخيرة: هل تريد رئاسة الحكومة قبل انطلاق مركب التأليف من دونك؟
قد لا يكون جواب الحريري إيجابياً، وقد يكون. فالرجل لم يعد زاهداً بالسلطة إلى الحد الذي يصوّر عليه، لكنه يرى أن الخطيب في حال نجح بتشكيل الحكومة، فهذه ستكون حكومة إنتقالية عنوانها إقتصادي لمواجهة الأزمة المالية، ثم يعود بعدها إلى رئاسة الحكومة ويكون الوضع في الشارع كما الوضع الاقتصادي بات مختلفاً.
وثمة قائل إنّ الحريري ينتظر في الأيام الفاصلة موقفاً أميركياً واضحاً تجاه توليه المهمة من عدمها، وهو عارف ضمناً أن ثمة حراكاً عميقاً يتم العمل عليه بحيث يكون هو الخطة باء، التي قد يتم اللجوء إليها في حال سقط الخطيب في الشارع.
تقول مصادر سياسية رفيعة إن لبنان وحتى نهاية العام الجاري سيكون أمام مرحلة مفصلية، فإذا توّجت المساعي بتشكيل حكومة جديدة لديها مقومات الصمود لمواجهة المرحلة الضبابية البالغة الحساسية التي تمر بها المنطقة، يكون قد نجح فعلاً، وإلا ستُرحّل الأزمة الى العام المقبل وهنا قد لا تكون الخيارات متاحة لتشكيل حكومة جديدة في لبنان.