Site icon IMLebanon

مغامرة اسمها «الخطة ب» الإيرانية  

 

يشير استمرار ايران في تخصيب اليورانيوم الى استعداد للانتقال الى مشروع مواز لمشروعها التوسّعي الذي لم تعد في استطاعتها دفع كلّ تكاليفه. يقضي هذا المشروع الموازي، الذي يمكن تسميته «الخطة ب»، بالعمل الجدّي على امتلاك سلاح نووي والاختباء خلفه حفاظا على نظام «الجمهورية الإسلامية» القائم على نظرية «الوليّ الفقيه». انّها استعادة إيرانية للتجربة الكورية الشمالية التي نجحت في المحافظة على نظام يعاني قسم لا بأس به من شعبه من الجوع والحرمان والقهر والذلّ…

 

بكلام أوضح، تسعى ايران، بتركيبة نظامها، الى تأكيد ان لديها أولوية واحدة هي المحافظة على «الجمهورية الإسلامية» التي قامت بعد سقوط الشاه في العام 1979. هذا لا يعني ان المشروع التوسّعي الإيراني سيتوقف. لكنّه سيأخذ، على الأرجح، في المرحلة المقبلة شكلا مختلفا في غياب القدرة الإيرانية على مواجهة سلاح جبّار اسمه الدولار.

 

من هذا المنطلق، يمكن الكلام عن مشروع مواز وليس عن مشروع بديل بكلّ ما في الكلمة من معنى، ذلك انّ مثل هذا المشروع البديل سيؤدي الى اهتمام ايران بشعبها اوّلا بدل الاستمرار في إعطاء الأولوية للنظام. مثل هذا الاهتمام بالشعب الإيراني اوّلا غير وارد في المدى المنظور في ظلّ وجود طبقة يمثّلها «الحرس الثوري» تعتبر وجودها مرتبطا باستمرار النظام.

 

ستدافع هذه المجموعة عن النظام بكلّ الوسائل المتاحة. هذا ما يفسّر الى ابعد حدود وجود «الخطة ب» التي تستهدف تأكيد انّ ايران تمتلك القدرة على الصمود وخلق المتاعب لمحيطها ولقوى أخرى مثل الولايات المتحدة.

 

الى ذلك، سيعمل النظام في ايران على الاستفادة قدر الإمكان من الظروف الدولية والإقليمية من اجل متابعة مشروعه التوسّعي، لكنّ الواضح ان هذا النظام بات مقتنعا في الوقت ذاته بانّ ليس ما يضمن في المدى الطويل التخلّص من العقوبات الأميركية التي اثّرت عليه تأثيرا كبيرا. السؤال كيف سيوفق النظام الإيراني بين مشروعه التوسّعي بكلفته العالية والمحافظة في الوقت ذاته على نفسه، أي الحؤول دون السقوط؟ يبدو انّ «الخطة ب» ستعتمد في ظلّ غياب أي جرأة لدى المسؤولين الكبار في طهران على مواجهة الحقيقة والواقع الحجم الفعلي لإيران في المنطقة.

 

يعود التوجه نحو «الخطة ب» الى ان النظام الإيراني بات يدرك ان المشكلة التي تواجه مشروعه التوسّعي غير قابلة للحلّ، حتّى لو انتخب الديموقراطي جو بايدن رئيسا في تشرين الثاني – نوفمبر المقبل وحتّى لو جاء مع بايدن فريقه المهتمّ بالسياسة الخارجية، وهو فريق لعب بعض أعضائه دورا في التوصل الى الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني في عهد باراك أوباما. هذا الاتفاق الذي وقّع صيف العام 2015  والذي مزّقه دونالد ترامب بعد شهور قليلة من دخوله البيت الأبيض.

 

هل تنقذ «الخطة ب» النظام الإيراني مثلما انقذت نظام آل كيم في كوريا الشمالية حيث اكل المواطنون جذور الأشجار… لكنّ النظام لم يسقط؟

 

تكمن مشكلة ايران في انّ امتلاكها للسلاح النووي لن يحميها في شيء. ليست «الخطة ب» سوى مغامرة غير محسوبة النتائج يمكن ان تؤدي الى حرب في المنطقة في وقت تفقد فيه «الجمهورية الإسلامية» اوراقها الواحدة تلو الأخرى. يدل على ذلك تراجع الدور الإيراني في العراق نسبيا. هناك حكومة جديدة مختلفة برئاسة مصطفى الكاظمي. حكومة مختلفة، وان في حدود معيّنة، عن الحكومات العراقية السابقة.

 

لم تعد هذه الحكومة  تسمح لاسماعيل قآني، خليفة قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري»، بالتصرف في العراق وكأنّه ضاحية من ضواحي طهران. لا يمكن القول ان النفوذ الإيراني بات معدوما في العراق. لكنّ في الامكان القول انّه تراجع، خصوصا ان أكثرية شيعية عراقية باتت تعي الطبيعة الاستعمارية للوجود الإيراني في البلد.

 

اكثر من ذلك، لم يعد بعيدا اليوم الذي ستدخل فيه بغداد مفاوضات مع الإدارة الأميركية لتحديد طبيعة العلاقات الاستراتيجية المستقبلية بين البلدين، بما في ذلك الوجود العسكري الأميركي في العراق حيث بنت الولايات المتحدة اكبر سفارة لها في المنطقة كلّها.

 

ما تشهده سوريا يوفّر مثلا آخر على تراجع للدور الإيراني. لم تعد ايران اللاعب الأساسي في سوريا كما كانت عليه في الماضي القريب. تغيّرت أمور كثيرة في لعبة التوازن بينها وبين روسيا التي توصلت الى اتفاقات معيّنة مع تركيا في شأن الشمال السوري. إضافة الى ذلك، يبدو ان التفاهمات الروسية – الإسرائيلية في شأن مستقبل سوريا اكبر بكثير مما يعتقد، خصوصا مع بقاء بنيامين نتانياهو في موقع رئيس الوزراء في حكومة ذات قاعدة واسعة سمّيت «حكومة طوارئ». ليس سرّا ان علاقة قويّة تربط بين «بيبي» من جهة والرئيس فلاديمير بوتين من جهة أخرى. كذلك، لم يعد سرّا ان تحسنا طرأ في الفترة الماضية على علاقات رجب طيّب اردوغان بإسرائيل!

 

في لبنان، يبدو واضحا انّ «حزب الله»، الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الإيراني، ليس في احسن ايّامه. يسيطر الحزب على البلد. هناك «حكومة حزب الله» في «عهد حزب الله». لكنّ ذلك لا يخفي ضعف الحزب وعدم قدرته على تلبية أي مطلب من مطالب اللبنانيين عبر حكومته. وهذا يشمل الشيعة في لبنان حيث غضب كامن بسبب الحال التي وصل اليها بلد ارتفع فيه سعر الدولار ثلاث مرات في مقابل العملة الوطنية وحيث أموال الناس محتجزة في المصارف. جزء كبير من مصائب اللبنانيين تعود الى «حزب الله» الذي عزل لبنان عربيا ودوليا وتركه لمصيره.

 

هل يفيد الهروب الى «الخطة ب» ايران في شيء؟ اذا استثنينا العذابات التي ستواجه المواطن الإيراني، يبدو الاقدام على خطوة في اتجاه الحصول على السلاح النووي اقرب الى مغامرة. يبدو السلاح النووي بمثابة ورقة خلاص للنظام الإيراني، اقلّه ظاهرا. لكن السؤال الذي يطرح نفسه ماذا عن ردّ فعل الحلف الأميركي – الإسرائيلي، وهو حلف اقوى من أي وقت مضى؟ هل يمكن ان يكون هناك رضوخ أميركي لـ»الخطة ب» الإيرانية؟ ثمّة شكوك كبيرة في ذلك، خصوصا في ظلّ التأثير الإسرائيلي الكبير على القرار الأميركي في هذه الايّام بالذات…