بعد يوم غد، 14 حزيران، سيبدأ اللعب جدياً في ملف الرئاسة. سيُدرك كل طرف حَجمه، والحدود التي يمكنه بلوغها، وستنكشِف مناورات الجميع أمام الجميع. واستعداداً لهذه الورشة، دخلَ الفرنسيون والسعوديون والأميركيون والسوريون جميعاً على الخط.
في الجلسة الانتخابية المفترضة، إذا انعَقدت، لا يمكن أن تكون حظوظ الوزير السابق جهاد أزعور أفضل من حظوظ النائب ميشال معوّض، ما دام «الثنائي الشيعي» يعتبره مرشح تَحدّ، ويُصنّفه قريباً من الأميركيين وبعيداً من خط المقاومة، بل يعتبره مُعادياً لها.
حتى، لو فتحَ رئيس مجلس النواب نبيه بري باب المجلس لجلسة انتخابية، ولو تَوافَر نصاب الثلثين في الدورة الأولى، وجمع أزعور أكثر من 65 صوتاً، فهذه ستكون أصوات مسيحيين وسنّة ودروزاً، لكنّ أزعور لن يحصل على أي صوت شيعي، نتيجة «فيتو» «الثنائي» عليه.
لن يكون الانتخاب ميثاقياً في هذه الحال، ولن يحظى بالاعتراف داخلياً وخارجياً، خصوصاً في اللحظة التي يسعى الفرنسيون والسعوديون والمصريون إلى مُراعاة طهران ومُداراتها في الشرق الأوسط كله، وفيما الأميركيون يرغبون في فتح قنوات اتصال جديدة معها.
يعني هذا التحليل أنّ رئيس الجمهورية إمّا أن يمر بضوء أخضر من القوتين الشيعيتين وإمّا أن لا يمر أبداً. وقد يقال إن هذا الأمر بديهي في بلدٍ تتخذ فيه القرارات تحت مظلة «الميثاقية التوافقية»، حيث لكل طائفة حق في ممارسة «الفيتو». لكنّ التعمّق في هذه المسألة يكشف أنها ليست بسيطة. فـ«الفيتوات» المسيحي والسني والدرزي في كفّة، و«الفيتو» الشيعي وحده في كفة أخرى.
أقصى ما يطلبه المسيحيون اليوم هو أن يكون لهم دور في اختيار الرئيس، أي ملء الموقع الذي يمثلهم في السلطة. وكذلك، يريد السنة والدروز أن يكون لهم دور في اختيار رأس الدولة.
أما القوّتان الشيعيتان فتتخذان موقفاً أكثر راديكالية في هذه المسألة. فبالنسبة إلى «حزب الله»، إمّا أن يأتي الرئيس مطمئناً له، وإمّا أن لا يأتي. وقد ترضى القوى الطوائفية المسيحية والسنية والدرزية بتسويات أو بأنصاف حلول، لكنّ «الحزب» يرفض أي رئيس غير مَمهور ببراءة ذمّة منه. وهنا يصبح الاختيار صعبا جدا، لأن أحدا لا يستطيع إقناع «الحزب» بالرئيس، وهو القادِر على رمي أي مرشح باتهامات يتعذّر تأكيدها أو نفيها، والقادر في أي حال على منعه من الوصول إلى الموقع.
إذاً، في ظل هذه المعطيات، لا مجال لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. ويمكن تشبيه الأصوات التي استطاع أزعور تأمينها في حملته الانتخابية، حتى اليوم، بشيك مصرفي دَسِم ولكن يتعذر تسييله، إمّا لأن المصرف مقفل وإما لأن المعنيين في هذا المصرف يُشككون في قانونية الشيك أو بمشروعية الأموال.
ما ستفعله جلسة غد، سواء انعقدت أو لم تنعقد، هو أنها ستطلق مرحلة نوعية جديدة من السباق نحو الرئاسة. وستدفع كل القوى في الداخل والخارج إلى البحث جدياً عن تسوية. وفي هذه المرحلة، سيكون «حزب الله» هو الأقدر على ترجيح الكفة.
وعندما يظهر لفريق أزعور أنه عاجز عن إيصاله إلى بعبدا، مهما فعل، فسيكون بديهياً أن يتدخل الوسطاء ويطرحوا مرشح تسوية بينه وبين فرنجية. وطبعاً، لن يوافق «الحزب» على هذه التسوية، لأن أحداً أو شيئاً لا يستطيع إرغامه على التنازل. وحينذاك، سيدخل الملف الرئاسي في مراوحة ستطول على الأرجح.
وفي هذه الحال، لن يكون لدى الوسطاء سوى مخرجين اثنين لانتخاب رئيس:
ـ الأول هو أن ترضَخ القوى المحلية والعربية والدولية لخيار «الثنائي»، وتوافق على انتخاب فرنجية، باعتبار ذلك أفضل من استمرار الفراغ.
– الثاني هو تليين «الثنائي» موقفه شكلاً، لا مضموناً، إذ يعلن الاستعداد للسير بمرشح «توافقي». وبعد مفاوضات، يتم اختيار مرشح «من غير الأقطاب» الموارنة، يوحي بأنه مُنفتح عربيا ودوليا وتوافقي داخليا ويحظى بتأييد بكركي، لكن هذا المرشح يكون عمليّاً أقرب إلى الخط السياسي الذي يمثله «الثنائي»، و«الحزب» تحديداً. وهذا الاحتمال وارد، إلا إذا كان «الثنائي» متمسكاً بفرنجية حصراً، كحليف قديم، ويرى أن الأوان قد آن لمكافأته شخصياً بإيصاله إلى بعبدا.
وفي رأي بعض المتابعين أن قبول «الحزب» بمرشح يوحي بأنه «توافقي»، لكنه محسوب عليه واقعياً، من شأنه أن يزوّد الخصوم بالسلم الذي يحتاجونه كي ينزلوا عن «شجرة الرفض»، خصوصاً أن كلّاً منهم يطرح أزعور من زاويته الخاصة.
فهل يوافق الثنائي على «الخطة ب» في ملف الانتخابات، ما دامت تسمح له باستمرار الإمساك بموقع الرئاسة؟ وفي عبارة أخرى، هل يُبدّل «الحزب» في تكتيك المعركة، أم يلعبها «صولد»: فرنجية أو لا أحد؟