IMLebanon

الخطة «ب« و«سوريا المفيدة»!

يستطيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يصنع المفاجآت، لكنه لا يستطيع أن يصنع المعجزات. يستطيع أن يسرق الأضواء بالتدخّل العسكري والمخابراتي المفاجىء في سوريا، وفرض أمر واقع جديد، لكنه لا يستطيع أن يُحقّق معجزة الحلّ العسكري وإعادة عقارب الساعة الى الوراء، وتمكين النظام السوري من إستعادة ما خسره من أراضٍ سورية وسيطرة ونفوذ. ولا يستطيع بوتين أن يمنح النظام السوري أكثر مما منحته إيران من سلاح ورجال وخبراء ومال، باستثناء الفيتو في مجلس الأمن.

لقد خسر النظام السوري نحو ثلاثة أرباع مساحة سوريا. وفقَدَ أكثر من سبعين ألف ضابط وجندي ونحو مئة وعشرين ألف جريح من أبناء الطائفة العلوية، ما دفعه الى التراجع الى الخطة «ب» والتحصّن في مساحة تمتد من دمشق جنوباً الى حلب شمالاً واللاذقية ساحلاً لتكون الدولة البديلة أو «سوريا المفيدة»، في حال التقسيم أو التفتيت.

هذه المساحة، أو«سوريا المفيدة» نسبة الى أنها تضمّ المدن الرئيسية، تُشكِّل مصلحة حيوية مشتركة لكل من موسكو وطهران.

موسكو لا يمكن أن تتحمّل فقدان قاعدتها البحرية في طرطوس، وهي مستعدة للدفاع عنها مهما كلّف الثمن لأسباب إستراتيجية عسكرية تاريخية معروفة بحاجة الأسطول الروسي الى موطئ قدم في المياه الدافئة.

وطهران لا يمكن أن تتحمّل سقوط آخر معاقل النظام، لأن مصير كل الشيعة في لبنان يُصبح مهدّداً وجودياً إذا ما قرّر الإرهابيون والتكفيريّون مواصلة إجتياحاتهم من العراق وسوريا الى لبنان، فضلاً عن أن طهران تفقد قاعدة نفوذ مهمة بانقطاع خطوط إمداد «حزب الله» من العمق السوري.

التدخّل الروسي الراهن يهدف الى تعزيز حماية قاعدته البحرية في طرطوس، ومن البديهي أن يستفيد منه النظام السوري في وقف تقدُّم أعدائه وتحصين مواقعه على الجبهات وخطوط التماس كافة، ورفع معنوياته ومعنويات ضباطه وجنوده ومناصريه وحلفائه.

لكن مشكلته في الحاجة الى العنصر البشري المقاتل لتغيير المعادلة على الأرض، لن تجد لها حلاً لدى الروس، لأن الرئيس فلاديمير بوتين لن يُرسل قواته الى ميادين القتال (الآن على الأقل)، لأن حساباته تتعدّى حدود سوريا، الى أوكرانيا والعقوبات الغربية التي تحاصر بلاده وتداعيات إنخفاض أسعار النفط وتوسُّع عمليات حلف شمال الأطلسي (ناتو) التي تستهدف روسيا.

يعتقد الأميركيون أن توقيت التدخّل الروسي في سوريا كان مدروساً ليتزامَن مع زيارة بوتين إلى نيويورك. والرسالة التي بعثت بها موسكو الى الغرب هي أن مواجهتها حول أوكرانيا لم تنجح في عزلها ولا في تغييبها عن النظام العالمي، وإنها ما زالت شريكة للولايات المتحدة على رغم تراجُع مستوى العلاقات بينهما.

بوتين وضع خلال لقائه أوباما أمس إستراتيجيته السياسية في سوريا أمام الإختبار. حاولَ تجربة قوته التفاوضية الجديدة مع الرئيس الأميركي. الخلاف حول مستقبل الرئيس بشار الأسد في التسوية لم يعُد قضية في حدّ ذاتها، لأن القضية الأساس هي مستقبل سوريا وخريطتها السياسية والجغرافية الجديدة. والسؤال الأكثر خطورة هو أين سيُحدّد العمق الحيوي لـ«سوريا المفيدة»؟