بين توقيف أمير «داعش» في عين الحلوة عماد ياسين، مروراً بتوقيف أحد أمراء «داعش» في عرسال أحمد يوسف أمّون مع 10 إرهابيين، في عمليتين أمنيتين نوعيتين، وصولاً الى القبض على مئات المسلّحين، نجح الجيش في الضرب بيد من حديد. 111 عملية نفّذها خلال الـ2016، رقمٌ ليس سهلاً أبداً، ففي 111 مرة كانت أرواح العسكريين في خطر، قلوبهم كادت تتوقف عن الخفقان لـ111 مرة، وصوَر عائلاتهم مرّت أمام أعينهم في كل عملية، 111 مرة عاشوا من جديد، و111 مرة رأوا الموت على «هيأة» إرهابيين، فهل تساءلتم يوماً كيف تحقق هذا الرقم؟
فيما يعطي الكثيرون أهمية لعدد العمليات التي نفذها الجيش وأدت الى اعتقال إرهابيين أو قتلهم، فإنهم لا يتنبّهون الى أنه خلف هذا الرقم يكمن جهدٌ بشري وُضع لتحقيقه، ليتمّم الجيش بالتالي جزءاً من أهداف كبيرة وضعها، خصوصاً أنّ جيش الأمس ليس كجيش اليوم، والتغيّرات تبرز في أصغر التفاصيل.
من توقيف أبسط الإرهابيين من الدرجة الثانية والثالثة والرابعة، وصولاً لأهمهم كأمون وياسين، يأخذ التحضير الوقت الأكبر لإنجاح العمليات من خلال صبّ جهود فريق كبير كان يقضي وقتاً طويلاً في التخطيط والدرس والتحليل والمتابعة لأدق التفاصيل، واضعاً عدة خطط أساسية وأخرى إحتياطية في إطار التعليمات الصادرة لمعاقبة كل الإرهابيين وسوق كل مَن امتَدّت يداه على موقع مدني أو عسكري أمام العدالة، وحتى في أيام العطل لا يتوانى الجيش عن استكمال هذه الحرب وهو ما أثبته أمس بتوقيفه خلية إرهابية من 3 أشخاص في منطقة التبانة في طرابلس حيث ضبط في حوزتهم حزاماً ناسفاً وسلاحاً كاتماً للصوت وكمية من الأسلحة والذخائر.
التعلّم من الأخطاء
في كل عملية، كان يُشدّد على ضرورة الحفاظ على أعلى درجة من السلامة للعسكريين الذين ينفّذونها وتحقيق أهدافها بدقة، والقبض على المطلوبين أحياء وعدم تعريض حياة المواطنين والأبرياء للخطر، وهو ما برز جلياً في عملية ياسين التي نفذت في الشارع وسط النسوة والأطفال، وعملية أمون التي نفذت في مخيم فيه من الأبرياء أكثر من الإرهابيين، إضافة الى عملية سامح البريدي الذي قتل في عرسال وحاول الإختباء بين الأطفال مستخدماً إيّاهم كدروع بشرية، فيما كان الجيش حريصاً على حياتهم، لدرجة أنّ عسكريين أُصيبوا لتحقيق هذا المسعى، غير أنّ إصابة البريدي في وريد فخذه خطفت روحه على رغم المساعي لإحضاره حياً، وهي نفس إصابة أمون إلّا أنّ زيادة الخبرة لدى الجيش واتخاذه كل الإحتياطات اللازمة حافظت على حياته.
مراعاة المعايير الدولية
في الـ111 عملية التي نفذها الجيش ومئات التوقيفات، كان يراعي قدر المستطاع المعايير الدولية في التوقيف، كونه ملتزم الى جانب الدولة بكل الإتفاقات الدولية الموقعة، وهو ما حاز إعجاب المسؤولين الغربيين الذين كانوا يزورون لبنان دورياً ويطّلعون على التحقيقات التي كانت تجري بدرجة عالية من الخبرة، ومن خلال التعامل مع كل حالة بطريقة مناسبة من دون اللجوء الى الأساليب القديمة، خصوصاً أنّ نوعية الموقوفين تفرض طريقة جديدة في التعامل.
إضعاف الإرهابيين
في هذا الإطار، يمكننا وضع عدة أسباب ساهمت في نجاح عمليات الجيش. فالمسلحون ضعفوا بعد تلقّيهم ضربات قوية، ومن خلال قدرة الجيش على تحقيق إنجازات عسكرية ودفعهم باتجاه الجبال والقضاء على العديد من الخلايا الموجودة في الداخل، أصبحت المبادرة في يده وبات هو من يحدد الزمان والمكان في تنفيذ العمليات، خصوصاً بعدما قُتل العديد من مسؤولي الإرهابيين ولم يعد لديهم حرية الحركة بين الجرود والداخل وفي مناطق كانوا يعتبرونها بيئة حاضنة لهم وهو ما أثبت الأهالي عكسه، وإن كانت بعض مخيمات اللاجين مكاناً حاضناً لبعض منهم لأسباب متعددة. وما ساهم في الحدّ من هذه الظاهرة هو رسم الجيش لخط تماس واضح في الجرود من خلال جبهة طويلة انتشر عليها وإقفال كافة الثغرات فيها.
خبرة مكتسبة
أمّا العامل الثاني فهو الخبرة التي اكتسبها الفريق العامل في مديرية المخابرات في الجيش، نتيجة المتابعة والعمل والتدريبات والمراجعة الدورية لكل العمليات التي كانت تحصل والتي ساهمت في تحديد أماكن الخطأ والصواب والإحتمالات البديلة للتقليل من الزلّات لتجاوزها في العمليات المقبلة.
الى ذلك، ساهم التدريب الذي قدّمته فرق أجنبية مختصّة من الجيوش الأميركية والفرنسية والإنكليزية والألمانية في إنجاح العمليات، حيث تمكن الجيش من إعادة خلط الأساليب التي تدرّب العسكريون عليها وخلق أسلوب خاص فيه من خلالها، وهو ما أثار إعجاب الأميركيين في عملية ياسين في المخيم، والتي اعتبروا أنّ أفضل وحدات نخبتهم تعجز عن تنفيذ عملية نظيفة بهذا القدر.
بالإضافة الى عملية أمون، حيث رأوا أنّ العمل فيهما كان في بيئتين عدوّتين بالكامل، ومع ذلك دخلت قوة للقبض على شخص من عين الحلوة و11 من جرود عرسال وخرجت من دون سقوط أي جريح أو شهيد، وهذا إنجاز كبير.
سلاح «نوعي»
أمّا السلاح «النوعي» الذي قُدّم للجيش فله دور مهم، مثلاً السلاح البريطاني لأفواج الحدود الذي سمح بإنشاء أبراج المراقبة في السلسلة الشرقية لرصد الإرهابيين واستهدافهم بشكلٍ دائم، وطائرات «السيسنا» وطائرات الإستطلاعات الأميركية التي بلغ عددها 3 والمجهزة بصواريخ «هيلفاير» الدقيقة ساهمت بأن تكون مواقع الإرهابيين موجودة تحت عين الجيش 24 على 24 والتوصّل الى دقة في تنفيذ العمليات وتحديد الأهداف.
ومع التنويه ببرامج المساعدات التي شملت آليات مصفحة، و«هامر» مصفّح أعطى مرونة للعسكريين بالتنقل حتى في حال استهدافهم، والملالات إضافة الى العدد الذي لا يستهان به من مدافع الـ155 المحمولة التي قدمها الأردن بموافقة من الأميركيين والدبابات M60 أيضاً من الأردن، التي سمحت مُجتمعة بإتمام عملية تنسيق برية جوية مع جهاز استعلام إستخباري يملك شبكات عديدة، إضافة الى تعاون المواطنين الذين حضنوه، خصوصاً في عرسال ومحيطها الذي ساهم بتحقيق إنجازات كبيرة.
وحدة الفريق
العامل الأخير والأهم هو وحدة الفريق وتجانسه وتعامله كمجموعة واحدة لا تناقض بينها، تفكر في الاتجاه نفسه وتملك القدرة والصبر على المتابعة والملاحقة، وهو ما تحقق بالتزامن مع النقلة النوعية التي تحققت في التشكيلات الجديدة في مديرية المخابرات وسمحت في وصول هذا الفريق واكتماله.
لذلك، ومنذ نحو 9 أشهر حتى اليوم، لاحظ المواطنون الفرق بين العمل في السابق واليوم وهو ما أعاد الثقة لديهم نتيجة التعامل الدقيق والصحيح في إعطاء المعلومات الأكيدة من خلال مفهوم «الإعلام الأمني» الذي أدخل الى العمل الأمني لتكتمل الحلقات بين العسكر والإعلام، بهدف إطلاع المواطنين أولاً بأوّل على ما يحدث، مع تعهّد بعدم تمرير أي معلومة غير صحيحة، وكل ذلك بهدف إعادة الثقة وتغيير الصورة النمطية التي كانت موجودة عن عمل مديرية المخابرات بشكل عام.
«الورشة مستمرة»
وفي السياق، يؤكد مصدر عسكري لـ«الجمهورية» أنّ «هذه الورشة مستمرة ولا تتوقف، ولقد نجحت مساعيها في الفترة التي كان فيها البلد قابع تحت وطأة الفراغ في مؤسسات الدولة والشلل التام، وعلى رغم ظروف العمل الصعبة تحققت هذه الإنجازات. أمّا اليوم، وفي ظل اكتمال عمل المؤسسات وعودة دوران عجلتها، أصبح لدى الجيش غطاء أكبر وراعٍ لهذا العمل هو رئيس الجمهورية والحكومة».
في كل الأحوال، ستبقى كل الجهود مصبوبة في السنة الجديدة لحماية لبنان لمواجهة أي محاولات لاختراق حدوده، كما انّ الجيش يملك القدرة الكاملة لردّ أي هجوم، والكلام يعود للمصدر الذي شدّد على أنّ «أي كان ما يحصل على الأراضي السورية لن يُسمح له بالامتداد في اتجاه لبنان، ولن تكون هناك أيّ إمارة إسلامية على أي شبر من أراضينا، فهذا لم يحصل حتى في الأيام التي لم يكن لدى الجيش الداتا والمعلومات الكافية ولا القدرة لمواجهة هكذا حرب، فما الحال اليوم عندما صار لديه الإمكانات المطلوبة بالحدّ الأدنى والخبرة في التعامل مع هذه العمليات، خصوصاً مع الإشادات من أكبر الدول المحاربة للإرهاب».
في النهاية، تحتاج الحرب ضد الإرهاب لنفس طويل وصبر لا مُتناهٍ، حيث لا مكان لإعلان النصر فيها، بل إنّ ذلك يتحقق في كل يوم من خلال إرادة العسكريين وتعاون اللبنانيين والمجتمع المدني والإعلام معهم، ليجتاز الوطن هذه المرحلة الصعبة بأقلّ أضرار ممكنة.