عيادة طبيب التجميل الذي «يزور» لبنان لأيام معدودة شهرياً تزدحم بالمنتظِرات. تقرّ إحداهن بأنها تشعر «بالذنب» لأنها ستدفع 200 دولار «فريش» ثمن إبرة الـ«بوتوكس»، ويُفترض أن تعيد الكرّة كل ستة أشهر، متمنّية «لو لم تُخترع هذه الإبر، لكنّا تقبّلنا أشكالنا وتأقلمنا مع التقدم في السنّ».
الظروف المعيشية وتدهور قيمة الرواتب لم يؤثرا كثيراً على هذا «القطاع». تفسيرات كثيرة لاستمرار الإقبال على عمليات التجميل بين النساء والرجال رغم التدهور الاقتصادي، منها ما هو نفسي يُدرِج هذا الإقبال، في أحد أبعاده، في سياق «إنكار الواقع والهروب منه. ففي وقت يسود فيه البؤس والحزن، يجد كثيرون الملاذ في أن يكون مظهرهم مرتّباً وجميلاً»، وفق الأستاذة في علم الاجتماع جلنار واكيم. وفي ظل انعدام السيطرة على واقع يزداد سوءاً وانفلاتاً، يبدو اللجوء إلى عمليات التجميل، في أحد وجوهه، ضرباً من ضروب التعويض على النفس، «ناهيك عن الامتثال للثقافة التسليعية التي تضغط على النساء بشكل خاص، عندما لا يوائم مظهرهن الخارجي مقاييس الجمال التي تفرضها سوق الإعلانات وشركات التجميل، وهو ما لا تلغيه الأزمات الاقتصادية»، وفق مديرة المركز الإعلامي للجندر والحقوق الجسدية في «المؤسسة العربية للحريات والمساواة» ميرا عبدالله. يُضاف إلى ذلك، كما تقول واكيم، «عامل الإدمان. فمن يخضع لإجراءات التجميل يصعب عليه أن يتوقف حتى ولو اضطر إلى الاستدانة، أولاً لأن هذه الإجراءات تتطلّب استدامة، وثانياً لأن من يخضع لها يلمس فوراً التغيير الذي تُحدثه».
عمل أطباء التجميل يكاد ينحصر في إصلاح التشوّهات الناتجة عن الحقن بموادّ غير صالحة
لكن رغم ذلك، تبقى للأزمة تداعياتها التي تتمثّل بشكل رئيسي في اللجوء إلى موادّ أرخص ثمناً، وإلى منتحلي صفة أطباء تجميل. لذلك، يعزو اختصاصي التجميل رائد رطيل «الإقبال غير المسبوق هذه الأيام» على عمليات حقن الـ«بوتوكس» والـ«فيلر»، رغم الظروف الصعبة، إلى «رخص المواد المهرَّبة والمزوَّرة»، وإلى أن كثيرين ممن يُجرون العمليات في العيادات أو في صالونات التجميل وحتى في البيوت، «منتحلو صفة أطباء أو أطباء غير متخصّصين في التجميل يحققون أرباحاً خيالية… لكنّ النتائج كارثية». ويلفت إلى أن عمل أطباء التجميل يكاد ينحصر اليوم في إصلاح التشوّهات الناتجة عن حقن مواد مغشوشة وغير صالحة أو قليلة الجودة، و«يومياً هناك ثلاث إلى أربع حالات تشوّه في العيادات». يوضح رطيل أن كثيراً من المواد التي تُستخدم اليوم «تقليد لعلامات معروفة لا يستطيع المريض كشفها. وثمة مواد مخصّصة، مثلاً، لحقن المؤخّرة يستخدمها البعض لحقن الوجه، كما أن هناك موادَّ منتهية الصلاحية. وحتى المواد الصحيحة عندما يحقنها غير متخصّص فقد تتسبّب في تشوّهات واعتلالات قد تفقد المريض حياته أو نظره أو تشلّ أعصاب وجهه»، مشيراً إلى أن هناك «طبيب بنج في لبنان تسبّب في تشويه وجوه كثيرات».
يذكّر رطيل بأن لجنة من أطباء التجميل قدّمت إلى وزارة الصحة ملفاً كاملاً عن «دكاكين التجميل» عام 2018، «لكنه بقي في الأدراج». كما «قدّمنا ملفاً آخر عام 2020 إلى وزير الصحة السابق حمد حسن بأسماء منتحلي صفة أطباء تجميل من دون أن نصل إلى نتيجة». المحاولة اليتيمة لإغلاق هذه «الدكاكين» كانت أيام الوزير السابق وائل أبو فاعور الذي أغلق الكثير من مراكز التجميل، «لكنها عادت اليوم إلى العمل بشكل طبيعي من دون رقابة». الغياب الكامل لوزارة الصحة عن هذا الملف «يؤثر على سمعة لبنان في السياحة الطبية والتجميلية فضلاً عن أنه يقضي يومياً على مستقبل وحياة فتيات كثيرات يبقين أشهراً وسنوات يعانين جراء التشوّهات وبعضها يترك ندوباً لا تختفي».