IMLebanon

لوحات مضيئة في قلب الظلمة الحالكة اللبنانيون يواجهون الفشل السياسي بصمودهم!

في نهار واحد حملت أخبار الصحف عناوين مضيئة وسط الظلمة الحالكة والمتعمدة والمشبوهة على غير صعيد، كهربائي وسياسي، وللأسبوع الثالث على التوالي وبنجاح منقطع النظير “نفاياتي”… وكلها تتعلق بمهرجانات تراثية وفنية وثقافية وموسيقية امتدت من اقصى الشمال الى أقصى الجنوب مرورا بالعاصمة – على رغم المعاناة – والجبل. ففي عدد الاثنين في “النهار” جاء في العناوين ما يأتي:

■ بيت الدين ثلاثون عاما من التعيبر الثقافي الفني الرائع… القصر التاريخي أضاء نجومه ترحيبا بالتينور خوان دييغو فلوريز.

■ في تلك الليلة خرج الحجر عن صمته متشحا بعباءة الشعراء… الآلهة رأيناهم في “إلك يا بعلبك” يخرقون صفوف الدبيكة ويدبكون”!

■ مهرجانات الارز الدولية بعد 50 عاما… ستريدا جعجع: نتذكر كبارا تركوا بصماتهم.

■ غلوريا غاينر في “اهدنيات”: أنا أحب لبنان!

■ البترون افتتحت مهرجاناتها بحفلة صاخبة: 5000 شخص حضروا شارل أزنافور.

غلوريا غاينر، شارل أزنافور، ميراي ماتيو (في جبيل قبل أيام) وغيرهم، أسماء عالمية كبيرة، كانوا في لبنان الغارق في الظلمة، كهربائيا وسياسيا وأخلاقيا وسياحيا، ظلمة تمتد من مصادرة الاستحقاق الرئاسي ومنع انتخاب رئيس للجمهورية منذ سنة ونصف سنة، وصولا الى الفشل في لتفاهم على آلية عمل لرفع النفايات!

غلوريا غاينر نفسها كانت في بيروت قبل نحو ثلاثين عاما وغنّت في فندق “سمرلاند” وكان المشهد غريبا في التناقضات: زوارق حربية اسرائيلية قبالة الشاطئ، قنابل مضيئة في السماء، واطلاق نار بالاسلحة الخفيفة والمتوسطة والـ”آر. بي. جي” في اشتباكات بين مسلحين تابعين للسفارة العراقية وآخرين للسفارة الايرانية على مقربة من الفندق نفسه، وكل ذلك في ظل انتشار مسلح لميليشيات حزبية متنوعة، وجيش سوري، ووسط هذا المشهد، كان اكثر من 500 ثنائي يرقصون على أنغام الأغنية الاكثر شهرة لغاينر I Will Survive!

“هذا الشعب لا يموت وكذلك هذا البلد”… عبارة قالها اكثر من ديبلوماسي أجنبي على مرّ السنين، وآخرهم كان السفير البريطاني طوم فليتشر في رسالته الوداعية الرائعة!

وفي المقابل يرى البعض في لبنان، أن هذا البلد يعيش برعاية الله وعلى طريقة “سيري فعين الله ترعاك”… بل “بفضل الاوادم، الذين ولله الحمد، لا يزالون اكثر من الزعران” كما قال احدهم في لحظة فلتان في العاصمة التي كانت تعج بالمسلحين، وقد غاب المخفر وشرطي السير وكل قوة أمنية، ومع ذلك لم يعتد أحد على آخر، وعاش الناس على التكافل الاجتماعي. حقا إن الشعب اللبناني بغالبيته الساحقة، شعب طيب، ومصدر التحريض والشحن تجار التطيّف والتمذهب…

وفي تجربة النفايات المأسوية والتي بلغت ذروتها بتداعياتها الكارثية، لم ينفجر اللبنانيون غضبا، وإن كانوا على قاب قوسين أو أدنى!

وفي العودة الى العناوين المضيئة المشار اليها، حملت الصحف في النهار نفسه عناوين من نوع آخر، بل من كوكب آخر! فكان من عناوين “النهار”: “مجلس وزراء الاربعاء من دون قرارات أساسية والأزمات تراوح في النفايات وآلية العمل”، “النفايات تفوح في الوسط الديبلوماسي ودور مسهّل لألمانيا”، “فابيوس بعد جيرو: الرئاسة اللبنانية مكانك راوح”، “المسؤولون الايرانيون منشغلون في الاتفاق النووي وغير مستعدين لمقاربة أي موضوع آخر”، “عون: يطالبون برئيس توافقي لانهم يرون لبنان قطعة من الجبن”! باسيل (وزير خارجية لبنان): مفهومنا للشركة مناصفة… يريدون لهم 70 ولنا 30″! “حزب الله”: البعض يريد توافقات فوق سقف القانون!

وبعيدا من أي تعليق على تلك العناوين، ولا سيما ما يتعلق منها بـ”الشركة” وحصة الـ70 و30، فانها تكفي للدلالة على الواقع البائس الذي يعيشه اللبنانيون على اختلافهم، وعلى أن الناس في واد و”كبار القوم” في واد آخر يبحثون عن الحقوق المهدورة للطوائف!

وبين المشهدين، المظلم والمضيء، يتضح بما لا يقبل الشك أن صمود البلاد في وجه كل محاولات الدفع بها الى الهاوية وحافة الانهيار، وهي محاولات مستمرة منذ ما قبل نيسان 1975، يعود الفضل فيه الى الناس الطيبين المصرين على العيش بكرامة والباحثين عن الرزق الحلال بعيدا من الثروات والمال الحرام… وبناء على هذا الواقع، ليس لأحد من الغالبية الساحقة في الطبقة السياسية والحزبية الحاكمة أن “يمنّن” الناس، هم ليسوا بألف خير كما يحاول بعض رموز هذه الطبقة اقناعهم! وفي هذا الزمن، هم يستحقون أكثر من اعتذار من تلك الرموز، على ماآلت اليه الاوضاع سياسيا واقتصاديا وأخلاقيا وبيئيا وعلى كل صعيد…

وعشية جلسة مجلس الوزراء، الجدل البيزنطي مستمر، والوضع مكانك راوح، وثمة من هو غير مستعجل على آلية عمل معالجة كارثة النفايات… وقد جاء الرد معبّرا من وزير الكتائب سجعان قزي على وزير “تكتل التغيير والاصلاح” الياس بوصعب الذي قال عشية الجلسة: “لا جدول أعمال قبل آلية العمل في مجلس الوزراء”، فكان الرد الذي اختصر المشكلة: لا جدول أعمال قبل آلية العمل لمعالجة النفايات…

وهكذا دواليك!