IMLebanon

زمن المنصّات

 

يعيش اللبنانيون زمن المنصات، بها يرتبط مصيرهم صحياً وإقتصاديا وسياسياً. حركتهم اليومية رهينة إيقاعاتها وتقلباتها. وعليهم أن يدبروا أمورهم وفق قوانينها ومعطياتها. عليهم ضبط أعصابهم وفق توجيهاتها وإلا…

 

لكن الأمل بفائدة ترجى من هذه المنصات معدوم ربما، فالمناعة المجتمعية المطلوبة لمواجهة ما نحن فيه مسألة عويصة تتخطى قدرة العقل البشري عامة والتشاطر اللبناني خاصة.

 

فإذا تابعنا استفحال إنتشار فيروس كورونا المتطور في ربوعنا السائبة، لن نشعر بالأمان لدى اللجوء إلى منصة التسجيل للقاح. لأن لا شيء محسوم. وها نحن ننتظر ورود أسمائنا للحصول على الحماية الضرورية. والانتظار قد يطول، لتبقى المنايا خبط عشواء، تحصد من تحصد في ظل غياب أسس الرعاية الطبية المطلوبة بحدها الأدنى.

 

أما عن منصة سعر صرف الدولار المستحدثة، وعدا كونها تأخرت كثيراً لتأتي بعد خراب البصرة، وحدهم الراسخون في العلم يعرفون دهاليزها وأحجيتها ويستطيعون الإستفادة من نعمها ليحصلوا على بعض أموالهم المنهوبة، وذلك بمواجهة الإزدهار المتواصل للسوق السوداء التي يحكى أن منصاتها تعمل من لبنان وخارج لبنان “على عينك يا تاجر”. ولا يمكن ضبطها أو وقفها..أو لا رغبة بذلك..

 

أما بالنسبة إلى عامة الشعب، ممن لا أموال لديهم في المصارف ليشغلوا بالهم بها، لا بد لهم أن يتابعوا تحصيل لقمة الخبر وفق مبدأ “الشاطر بشطارته”. لكن عليهم إكتساب بعض المهارات لتحقيق هذه الغاية.

 

فالواقع يفرض على العامة إختراع منصات افتراضية أو سرِّية بين بعضهم البعض تمكنهم من إنشاء شبكة كفيلة بتغطية حركتهم لتأمين مستلزماتهم في خضم التحديات التي يواجهونها. فمنصة الذهاب إلى السوبر ماركت لا تمنحنا السبيل إلى شراء السلع المدعومة، إذ ندخل رحابها ونتفاجأ بالرفوف الفارغة بعدما طارت عنها السلع الأساسية بإنتظار تحديد تحليق سعر صرف الليرة قياساً إلى الدولار لتعود وتحط بأسعار جديدة تفوق قدرة الكثيرين على شرائها.

 

بالتالي، تفرض حساسية المرحلة استنباط خريطة طريق وبوصلة تؤمنان فعالية هذه المنصات الإفتراضية، اذ لا ينفع الإعتماد على مؤسسات الدولة العاجزة عن إرشاد المواطن إلى كيفية شراء حليب الأطفال أو زيت القلي أو مسحوق الغسيل او ملء خزانات السيارات بالوقود أو معرفة الأدوية المتوفرة ما يساعد على تحديد أنواع الأمراض المتاح علاجها، فنصاب بها، ونمتنع عن تلك المتعثر إيجاد أدويتها في الأسواق.. والمنصة الافتراضية الأهم لتحقيق المناعة الاجتماعية، ترتبط بالقضاء على منصات المحاور التي تدير لعبتها القذرة في أسواقها السوداء، فتؤمن جرعات من الدعم للقادرين على التعطيل وتقود حلبات مصارعة حرة بين أركان المنظومة من دون قوانين محلية أو دولية تحكمها أخلاقيات أو سياسات ثواب وعقاب، وتدمر مصالح اللبنانيين وحقوقهم بالحد الأدنى من الكرامة الإنسانية، في حين لا تشير المعطيات إلى أي إحتمال بالفرج.

 

واستعصاء الحلول مرده إلى أن زمن المنصات الصحية والاقتصادية والسياسية التي كان يفترض أن تسهل لنا حياتنا، هو زمن مفخخ. فتيل تفجيره مربوط بمنصة الصواريخ الذكية التي يتحكم رأس محورها بمصير كل المنصات ويختصر فعاليتها، فيفرض ما يشاء أو ينسف ما تبقى من رمق أخير للأمل والأمان متى تقتضي مصلحته نقل التهديد بالحرب الأهلية والإنفجار الأمني إلى حيز الواقع.

 

لذا… خافوا واستديروا واذعنوا لشروط منصة التسوية.. وإلا..