Site icon IMLebanon

اللعب والحكم

 

من الأمور التي يتغافل عنها الكثيرون أن كلمة لعب ومشتقاتها ترتبط بالمسؤولين أكثر مما ترتبط بالأطفال والصبيان كما نتصور. نحن نقول مثلاً إن حكام إيران يلعبون بمصير المنطقة، وإن زعماء الصومال يلعبون بحياة شعبهم، والوزير الفلاني يتلاعب بأموال الدولة، وإن الدولة أصبحت لعبة بأيديهم، وفلان يقضي وقته يلعب بأصابع رجليه…

لو تأملنا قليلاً في الأمر لوجدنا أن اللعب من صفات المسؤولين ومشاغلهم، وليس من مشاغل الصبيان الذين يقضون جل وقتهم في الواقع في المدارس والدرس والإعداد للامتحان.

قيل إن رجلاً قدم طلباً لوظيفة في مديرية الصحة في العراق، وكان قد تعرض لقنبلة انتحارية أفقدته جزءاً من كلتا قدميه. وتنفيذاً للتعليمات في تشغيل ضحايا الإرهاب، قد اضطر المدير لتعيينه وقال له: «أهلاً ابني يمكنك أن تبدأ بالعمل عندنا يوم غد عند الساعة الثانية عشرة». فأجابه الشاب: «ليش سيدي؟ الدوام يبدأ الساعة تسعة»؟ فقال له المدير: «صحيح ابني. الدوام يبدأ الساعة تسعة. لكن الموظفين عندنا في العراق يقعدون يلعبون بأصابع رجليهم، إلى الساعة الثانية عشرة. أنت ما عندك أصابع برجليك. أنت تعال الساعة الثانية عشرة».

وقد انتبهت الشركات العملاقة إلى واقع اللعب في دواوين الدولة. والمشكلة عند الأوروبيين كبيرة فمديروهم لا يحملون مسبحات ولا سلاسل مفاتيح، ورغم كل تقدم الأوروبيين في سلم المدنية واللهو البريء فإنهم لم يهتدوا بعد لمتعة اللعب بأصابع القدمين، وكل ذلك رغم كل الجولات التي قام بها الرحالة الأوروبيون إلى بلدان الشرق الأوسط. وأمام هذه المشكلة، فقد عمدت الشركات إلى اختراع ألعاب مختلفة توضع على مكاتب كبار المسؤولين ليلهوا بها. هناك الآن مجموعة كبيرة لهذه الألعاب يسمونها Executive Games الألعاب التنفيذية، على اعتبار أن تنفيذ الأعمال وتمشية أمور الدولة تحتاج للعب.

أتذكر أن مسؤولاً كبيراً في إحدى الدول العربية خصص غرفة كاملة في مبنى عمله وراء صالة الاجتماعات الرسمية، لألعاب القطارات. ملأ الغرفة بالسكك الصغيرة والعلامات والمحطات المصغرة وما يلزم من قطارات وعربات. وكان يقضي جل وقته يلهو بها. وقيل لي إنه كثيراً ما كان يقطع الاجتماعات الرسمية ليعود إلى قطاراته ليتمم اللعبة بها، يحرك إشاراتها وقاطراتها، وهلم جرا. ثم يعود للجلسة ويقول إنه كان يراجع بعض الوثائق الرسمية. وهذا كان زمانا. في هذا الزمن يقضي أكثرهم وقته في حساب ديون الدولة وكيف يحصلون على المزيد منها.

وكان هناك قبل عدة سنوات رئيس في أفريقيا، لم يقع في هوى القطارات ولكنه هام شغفاً بالطائرات اللعبة على سائر المستويات. قضى أعواماً يلهو بها ولكنه في الأخير انصرف إلى صنع الطائرات، طبعاً الطائرات اللعبة! ويقال إنه تمكن من صنع طائرة ورقية تطير وتقوم بشتى الألعاب الهوائية.

بارك الله فيهم. يا ليت الآخرين من أمثال الأسد يشغلون أنفسهم بمثلها من ألعاب بريئة لا تنطوي على قتل أحد.