في إطار المواجهة المفتوحة بين «حزب الله» وإسرائيل، والتي لم تتوقف يوماً بعد التحرير في 25 أيار 2000 ونهاية حرب تموز في آب 2006، لم يكن ردّ الحزب في مزارع شبعا بعد إغتيال إسرائيل القيادي سمير القنطار مفاجِئاً، خصوصاً أنّ السيد حسن نصرالله أكد مراراً وتكراراً أنّ الرد آتٍ لا محالة.
بصرف النظر عن حجم العملية والخسائر البشرية التي سبّبتها لإسرائيل، إلّا أنّ «حزب الله» أراد التذكير بأنّه حاضر للمواجهة في أيّ وقت على رغم حشد مقاتليه للحرب على الجبهات السورية الممتدة من الحدود اللبنانية وحمص وإدلب وحلب وريف دمشق وصولاً الى حدود الجولان المحتل الذي أشعل نشاطه هناك شرارة المواجهة المستجدّة مع إسرائيل.
العملية والعملية المضادّة حصلتا، ويبدو أنّ حجم المواجهة حتى الساعة مضبوط ومحكوم بسقف القرار 1701، وقد إختار «حزب الله» تنفيذ العملية في مزارع شبعا المحتلة وليس في أيّ نقطة أخرى من الحدود اللبنانية- الإسرائيلية الطويلة، لأنّ للمزارع رمزيّة خاصة وهي عملياً خارج إطار الـ1701.
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر عسكريّة لـ«الجمهوريّة» أنّ الهدوء الذي ساد بعد ساعات قليلة على تنفيذ «حزب الله» عمليته الأخيرة والردّ الإسرائيلي المحدود، يعطي مؤشراً إلى أنّ التصعيد غير وارد في هذه المرحلة على رغم أنّ كلّ الاحتمالات مفتوحة ولا أحد يستطيع التكهّن الى أين ستذهب الأمور في لبنان والمنطقة.
وتلفت المصادر الى أنّ المنطقة التي وقعت فيها المواجهة هي أراض لبنانية محتلة ولا تخضع للقرار 1701 ولا تنتشر فيها قوات الطوارئ الدولية والجيش اللبناني، من هنا فإنّ انسحاب اسرائيل من هذه المنطقة هو الحل الأفضل لعودة هذه المنطقة الى السيادة اللبنانية.
وتشير المصادر العسكرية الى أنّ الجيش نجَح في ضبط أيّ تجاوز على الخطّ الأزرق ولم يُسجل أيّ خرق للقرار 1701 من الجانب اللبناني، فيما تستمرّ إسرائيل في أعمالها العدائية وتنفيذها خروقاً جوّية يومية، وكأنّ الفضاء اللبناني مستباح.
وتشدّد على أنّ «الجيش اللبناني جاهز لكلّ الاحتمالات، وسيردّ إذا ما حاولت اسرائيل الإعتداء على السيادة اللبنانية وتخطّي الخطّ الأزرق المرسوم، وهو يستكمل مهماته بشكل طبيعيّ بالتعاون والتنسيق مع «اليونيفيل» ووفقاً للقرارات الدوليّة.
الى ذلك، يحرص المجتمع الدَولي للحفاظ على الهدوء في الجنوب وعدم إشتعال جبهة جديدة في هذا الوقت الحرج من تاريخ المنطقة، وتعمل الدول الغربية على ضبط الوضع ومنع إنزلاق الأوضاع الى صدام وحرب جديدة لا يمكن تحمّل نتائجها.
وفي حسابات الدول المشاركة في «اليونيفيل» وعلى رأسها الدول الأوروبية، أنّ أيّ خضّة أمنية جنوباً ستعرّض جنودها المنتشرين للخطر، لذلك فإنّها تعمل على تأمين المظلّة السياسية والأمنية للبنان لضمان إستقرار مقبول، يتمتع به لبنان والجنوب حالياً.
ومن البوابة الأمنية، تدخل «اليونيفيل» كعامل مساعد على تأمين وتثبيت قواعد الإستقرار الأمني والسياسي، وهذا ما يؤكّده مسؤولون أوروبيون زاروا لبنان أخيراً، وتفقّدوا وحدات بلادهم المنتشرة في الجنوب. وفي هذا السياق، برز التعاون الإستخباري بين الأجهزة الغربية والأجهزة اللبنانية، ما ساعد على كشف الشبكات الإرهابية وتساقطها الواحدة تلوَ الأخرى وأنقَذ لبنان من مخططات إرهابية كانت ستُغرقه بالنار والدم.
قد تكون مزارع شبعا من الحدائق الخلفيّة التي يتمّ الحفاظ فيها على ستاتيكو النزاع، وإعتبارها منطقة تقاتل أو أقله «تنفيسة» للإحتقان الذي يحصل نتيجة المواجهة بين إسرائيل و«حزب الله» في الساحات الأخرى، وأبرزها الساحة السوريّة، لكن مَن يضمن ماذا سيحصل مستقبلاً خصوصاً مع إشتداد حدّة الصراع الإقليمي، وإنشغال كلّ دولة بمشكلاتها؟ فإسرائيل تجلس متفرّجة على تقاتل العرب بين بعضهم البعض وتفكّك دولهم، وتطمئن الى إشتداد نار الفتنة السنّية- الشيعية، فهل هي مستعدّة للدخول في حرب جديدة طالما أنّ أهدافها تتحقّق على أيدي أعدائها؟