كان يمكن لانفراجات الأزمة الخليجية أن تتسع، وللأبواب الموصدة أن تتحلحل، لولا أن أحد المستشارين (التحريضيين) في الدوحة قد بالغ في احترافيته التحريضية فجاء باقتراح استخدام ورقة اتهام السعودية بتسييس الحج.
قال المستشار: هذه ستكون ورقة موجعة للسعودية.
وقد صدق المستشار، فتهمة (تسييس الحج) ظلّت دوماً ورقة موجعة للسعودية، لأن وجعها يشبه الوجع الذي يغشى رجلاً عُرف طوال حياته بالصدق ثم يفاجأ يوماً بأن أحدهم يتهمه في محفلٍ عام بالكذب!
اتهام السعودية بتسييس الحج موجع يا سعادة المستشار، لأنه يشبه اتهام أمّ نذرت حياتها لرعاية أبنائها، ثم يأتي أحدهم في لحظة عقوق ليتهمها بالتقصير في تربيتهم.
قد يصحّ اتهام السعودية بالتقصير في جوانب من مسؤولياتها السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، مثلها مثل التقصير الذي يعتري كل دول العالم غير الأفلاطونية، لكن ما لا يمكن لمنصفٍ صادق أن يفعله هو أن يتهم حكومة (خادم الحرمين الشريفين) بالتقصير في خدمة الحرمين الشريفين وتسهيل أمور الحجاج والمعتمرين الذين يفدون إليها بالآلاف كل يوم، وبالملايين في موسمي رمضان والحج، من مختلف الدول والأعراق والطوائف والمذاهب والانتماءات السياسية والحزبية والأيديولوجية، ولم تكن أبواب الحرمين مغلقة في وجه أحد منهم.
حتى أولئك الذين لم تكن السعودية على وفاق سياسي أو أيديولوجي معهم كانت تمنعهم من المجيء إلى الرياض، لكنها لم تكن تمنعهم من المجيء إلى مكة المكرمة أو المدينة المنورة. لماذا؟ لأنها، بكل وضوح، لم تستخدم ورقة تسييس الحج ضد خصومها.
لكن الوجع الذي يأتي من تهمة تسييس الحج، منذ أن أدمنتها الآلة الإعلامية الإيرانية في ما بعد الثورة الخمينية، لم يورث أبداً سوى وجعٍ مضاد ومضاعَف يغشى صانع التهمة وملفّقها، إذ يعجز عن إقناع أحد من هذا العالم الذي يرى ويشاهد ما تقدمه السعودية من وقتها وجهدها، وما تصرفه من مالها وأمنها كل عام، بل كل يوم، لعمارة الحرمين الشريفين ولتدمير كل من يريد الإخلال بأمنهما وأمن زوّارهما.
أفبعد هذا كله يأتي المستشار (التحريضي) ليقترح، بدمٍ بارد، اللعب بورقة تسييس الحج؟!
لو أن دولةً ستنجح في استخدام (ورقة تسييس الحج) ضد السعودية لنجحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهي تحاول النجاح في استخدامها كل عام منذ أربعين عاماً!
ولو أن أحداً سيستفز الآخرين معه ويستنفرهم لاتهام السعودية بتسييس الحج، لنجح القذافي الذي لم يكن يوفّر أي شيء لإنجاح تهمته التي لم تنجح.
لعبة اتهام السعودية بتسييس الحج ربما تكون ورقة رابحة حقاً لكسب الغوغاء، لكنها خاسرة حتماً لمن يريد كسب الأحرار والمنصفين.