يحاول البعض في لبنان أن يعود ليلعب بالنار مجدداً، ويراهن على حصد نتائج إيجابية من زرع سلبي.
وفي حسابات ذلك البعض ما يتلاءم مع أدائه ومع طبيعته الأولى: اندفاع بأقصى سرعة باتجاه هدف ما، من دون الأخذ بمعطيات الطريق ولا مطبّاته ولا عوائقه ولا الحواجز المسمارية المرمية عليه، فتكون النتيجة (وكانت!) اصطدام بالحائط الأخير.. وحيث يبقى الحائط في مكانه ويُصاب المندفع بأضرار جسيمة!
وتلك الحسابات الناقصة تعوزها دائماً دقّة التشخيص والواقعية: تنطلق من ذاتيات، وتحور وتدور حولها. بل وتطوّع كل معطى آخر في ذلك السياق، وبطريقة بدائية ولا تدلّ على حصافة مطلوبة بشدة من المتطلعين إلى لعب أدوار وطنية كبيرة.
ذلك المراس الذي جُرّب أكثر من مرة يُراد له أن يُجرّب مرة أخرى. في حين أن لوعات التجارب السابقة لا تزال تعسّ في الجسم اللبناني العام. ويفترض أن تكون في ذاتها كافية عند صاحب الشأن، لتكوين قدرة لديه على الفصل بين الممكن والمستحيل والواقع والوهم والتمنيات والإمكانات.
وكأن ذلك البعض مجبول بالهوس وليس مصاباً به فقط! وهذا يُوصل على مستوى الأفراد إلى قطيعة مع الواقع المحسوس، وإقامة شبه دائمة في مربّع مُقفل، لا هواء نقياً فيه. ولا أشعة شمس منعشة، ولا زرقة بحر ترفع الناظر إلى حدود السماء!
وتلك عوارض مَرَضية، مؤذية ومدمّرة، خصوصاً إذا كانت تبعاتها تخص شأناً عاماً وأناساً آخرين، بل ومصائر كيانات وهويات في عالم يموج بالفتن والحرائق والبلايا السوداء!
في حسابات ذلك البعض أن الطريق إلى كسر الإقفال المتحكم بالرئاسات والسياسات والارتباطات في لبنان هو بدفع التوتر البارد إلى حدود الغليان، وتحويل الأزمات إلى صدامات، ما يعني خروجاً عن سقف تهدوي متوافق عليه محلياً وإقليمياً ودولياً! واستدعاءً متعدد الهويات للمعنيين بذلك السقف والراغبين بعدم انهياره!
ولا يهم عند أهل هذا الهوس، إن كانت هذه التجربة المستعادة، أو التي يُراد استعادتها، لا تنحصر في الداخل اللبناني مثلما كان الحال سابقاً، وإنما مرتبطة حُكماً ومسبقاً بمعطيات إقليمية غير مسبوقة في حدّتها ودمويتها وطبيعتها الفتنوية. وأن الواضح المنشاف والمرئي هو أن المعنيين بتلك المعطيات، كل من جهته، وصل إلى نقطة اصطفافية قصوى، وليس مستعداً لتقديم أي إشارة ضعف، لا في الميدان الملتهب والمشتعل فعلياً، ولا في الساحة (اللبنانية) التي تجري فوقها وعليها شبه حرب أهلية باردة!
الغريب في مكان ما، أن البعض لا يستبعد توترات أمنية محددة ومحدودة لمحاولة تحريك الأمور الرئاسية! لكن الأغرب هو أن ذلك الاحتمال مطروح بأفق تسووي! وليس باتجاهات مستحيلة من نوع فرض أمر ما بالقوة! أو استحضار مشكلة دائمة تحت ستار حل مشكلة عابرة!
ومن نكد الأيام والأزمان، أن يعود اللبنانيون من جديد، إلى الدفع من أمنهم واستقرارهم أثمان ذلك الهوس بعد أن عانوا الأمرّين و»الحربين» سابقاً! وأن يكون ذلك الاحتمال مدار تداول يُقال إنه جدّي(؟!)، وأن يبقى البعض في نواحينا، على رأيه وأدائه من أن «إقناع» حليفه بالانكفاء يستوجب تدفيع كل اللبنانيين الثمن! وأي «حليف» هذا، وأي ثمن؟!