اذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه الى ما تستطيع…
هذه النصيحة الشعرية، انما أعطيت لمن هو في واقع لبنان الراهن، المطالب بما لا يستطيع والعاجز عن تجاوز ما هو مطلوب منه، الى ما يستطيع…
في موضوع مؤتمري القاهرة وجدة لوزراء الخارجية العرب والمسلمين نأى الوزير جبران باسيل بلبنان عن الاجماع العربي، وفي موضوع وزراء الداخلية العرب، اعتمد الوزير نهاد المشنوق الموقف عينه، انما بغياب الاجماع العربي الذي اخترقته الجزائر والعراق، وجاء لبنان ثالثاً هذه المرة.
والفارق بين الموقفين ان الوزيرين التقيا على رفض اعتبار حزب الله، شريكهما في الحكومة والمجلس، منظمة ارهابية، لكن الوزير المشنوق وافق على الادانة بينما لم يوافق باسيل، رغم ادانة المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، لما حصل ضد البعثات الدبلوماسية السعودية!
حينها شبّه الوزير المشنوق وضع لبنان اليوم بما كان عليه في زمن منظمة التحرير الفلسطينية عام ١٩٨٠، مع فارق ان اللبنانيين يقومون بهذا العمل اليوم، حيث السوق مفتوح لكل أصوات المعارضات للأنظمة العربية، يأتون الينا ليقودوا حملاتهم من لبنان، أو ليتدربوا فيه، ثم ليجلسوا في الصفوف الأمامية لسماع الخطابات، وخلص الى التساؤل، لماذا علينا أن نستغرب رد فعل العرب؟…
ومع ان هذا التوصيف في محلّه الصحيح، ولم يتغيّر المشهد قيد أنملة، فقد تجاوز الوزير المشنوق كل هذه الارهاصات، معتمداً على مضمون البيان الذي صدر عن مجلس الوزراء في جلسة سابقة، والذي يفاضل بين الوحدة الوطنية والاجماع العربي، ليفضل الوحدة على الاجماع، مع معادلة اضافية تقول بالامتناع عن اعتبار حزب الله منظمة ارهابية، والاحتفاظ بحق ادانة الأعمال الاجرامية التي قد يرتكبها في الوقت ذاته.
جلسة الحكومة امس، لم تخل من النقاش الحاد بين وزيري حزب الله وبعض وزراء ١٤ آذار، وكاد النقاش ان يتطور لولا مسارعة الرئيس سلام الى رفع الجلسة، وبالتالي ربط الدعوة الى الجلسة التالية بانجاز ملف النفايات، الذي يدخل في سياق فالج لا تعالج، وبالتالي هون حط الحكومة الجمّال….
الوزير الياس بوصعب، لاحظ أن لا ردات فعل على موقف لبنان في مؤتمر وزراء الداخلية، سوى ما أعلنه وزير العدل المستقيل أشرف ريفي المتصالح مع نفسه، ثم تتالت ردود الفعل التي كان الأبرز بينها قول ميشال معوض من رابية العماد ميشال عون: علاقة لبنان بالمملكة العربية السعودية ودول الخليج هي نقطة قوته ومكان لبنان في الحاضنة العربية.
واللافت ان هذا القول جاء في اعقاب تغريدة للمرشح الرئاسي سليمان فرنجيه يرفض فيها اعتبار حزب الله ارهابياً، بل مقاومة ترفع رأس لبنان…
يبقى ماذا بعد؟ ماذا سيكون عليه موقف لبنان في اجتماعات الجامعة العربية والقمة العربية للمصادقة على مقررات وزراء الداخلية؟..
بالتأكيد، ليس من يحسد الوزير اللبناني على وقوفه امام نظرائه العرب معارضاً اجماعهم على التوصيف الارهابي لحزب الله، ويبررون لهذا الموقف الرسمي الصادم لعلاقات لبنان العربية، والحرص على تجنب الفتنة الداخلية، كما يقول الرئيس سعد الحريري، وهناك مبرر آخر مفاده ان حزب الله، حزب لبناني مشارك في الحكومة ومجلس النواب، ووسمه بالارهاب، نتيجته أمران: اما اخراجه من السلطة، ويقال هذا حصرم رأيته في حلب… واما التغطية عليه كما حصل حتى الآن، ما يسحب صفة الارهاب على الدولة اللبنانية العلية…
انهما خياران احلاهما مر لكن الأمرّ منهما، ما ينتظر لبنان واللبنانيين من الاشقاء العاتبين. لكن ثمة من يدعو لاختيار المبدأ، يقابله من يفضل الملاءمة، لأن بالملاءمة السلامة، علماً أن من يكون كومة من غبار، لا يلعب مع العاصفة…