قد يكون لبنان، الدولة الوحيدة في العالم، التي تعاني ما يعانيه منذ اكثر من سنتين، من الفضائح على انواعها، والفساد على انواعه، والشلل شبه الكامل في جميع مفاصل الدولة، والكيديات الشخصية والسياسية والطائفية، في مجلسي النواب والوزراء، ومن الهدر المجرم في مالية الدولة، في بلد يعيش ربع سكانه على خط الفقر، وربع آخر عاطل عن العمل، ويعيش معهم مليونا نازح ولاجئ، يقاسمونهم، الماء والكهرباء، والاعمال، والوظائف، وزادوا وفق احصاءات وزارة الداخلية، 40 بالمئة من نسبة الجرائم التي ترتكب في لبنان.
جميع هذه الكوارث، وغيرها الكثير، وخصوصاً كارثة الابتزاز التي يمارسها الاتحاد الاوروبي على لبنان لتوطين اللاجئين والنازحين على ارضه، مقابل رشوة مالية كبيرة، نجحت في الاردن، ويضغط الاتحاد الاوروبي لكي تنجح في لبنان، البلد المتواضع المساحة نسبة الى الاردن وغيره من الدول العربية، والمتفجّر طائفياً ومذهبياً وسكانياً، لم تدفع النواب، او الاصحّ، معظمهم، الى الشعور بخطر ما يتهدد لبنان، فيتفقوا على الاقل، في خلال سبع سنوات كاملة عبرت، على قانون للانتخابات يؤمّن سلامة التمثيل وعدالته، ويعيد تكوين السلطة، في رئاسة الجمهورية، ومجلس النواب، والحكومة، بعيداً من قانون الستين، الذي اصبحت قصته مثل قصة راجح، يلوّح به كل من اراد ان يبتزّ غيره، الى درجة ان رئيس مجلس النواب، في مبادرته التي أطلقها في هيئة الحوار، وطلب من المتحاورين رأيهم فيها خطياً، هدد بأن قانون الستين جاهز، وحذّر من مقاطعة جلسة انتخاب الرئيس، لأن انتخاب الرئيس سيتمّ ولو بمن حضر.
عجيب أمر الرئيس برّي، اطاح بالجلسة الانتخابية الاولى لانتخاب رئيس للجمهورية، وفرض نصاب الثلثين للجلسات اللاحقة، ورفض نصاب النصف زائداً واحداً، ويهدد اليوم بانتخاب رئيس بمن حضر، «إيه كيف هيك» والانكى من ذلك رفضه الدائم طرح مشاريع القوانين الانتخابية على الهيئة العامة لمجلس النواب، واي مشروع يحصل على الاكثرية النيابية يصبح نافذاً وتجرى الانتخابات في ظلّه، بدلاً من التمديد والتطويل والتمييع، وترك البلاد، فريسة الفاسدين والمتربعين على السلطة.
* * * *
امّا رئيس الحكومة تمام سلام، فهو في الحقيقة خالف المثل الذي يقول «ببكي وبروح» لأن اللبنانيين لا يسمعون سوى ان سلام غاضب من سلوك الوزراء، وان حكومته فاشلة، وان الفساد سيّد الحكومة، وانه هدد بالاستقالة… اذا، وتبقى «الاذا» وتتكرر، وينسى سلام انه هدد بالاستقالة فهو في هذه الحالة «يبكي ويستمر».
في الامس تحديداً، نقل عن مقرّبين من سلام انه مصاب «بحمّى القرف»، ولو يا دولة الرئيس، حتى الأمس لم تصب بالقرف، في حين ان الشعب يكاد يموت من القرف منذ اكثر من سنتين.
ان كنت يا دولة الرئيس تمام، وانت انسان طيّب وابن بيت سياسي تاريخي، تعتقد ان «تنييم» الملفات الخلافية في جارور مكتبك يساعد على حلها، فانت على خطأ مبين، لأن هذه الملفات سوف تتراكم وتتحوّل الى قنابل صالحة للتفجير، مثل ملف، أمن الدولة، والنفايات، وتنظيم عمل مجلس الوزراء، وسدّ جنّة، وغداً ستكون امام ملف بالغ السخونة والخطورة، هو الملف الزراعي بين لبنان وسوريا، امّا الملف الذي يتعلق بوجود لبنان وبنظامه، وبصيغة العيش المشترك، فهو ملف النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، فلا يكفي ان نقول لا، وان دستورنا لا يسمح بذلك، فالمجتمع الدولي المتوحش، لا تهمّه مصالح الدول والشعوب، بقدر ما تهمّه مصالحه، فهذا الملف يجب ان يحمل الى العالم كلّه، ويستحق عقد اجتماع وطني لدرسه ومتابعته، بحيث تحمّل جميع اللبنانيين مسؤولية البركان الهامد حالياً، المتفجّر قريباً.
باختصار يا دولة الرئيس سلام، هذه الطبقة السياسية الحاكمة، والتي ورث معظمها السلطة من الوحي السوري، تلعب بمصير لبنان وشعبه، فلا تكن جزءاً من هذه السلطة.