IMLebanon

ترافع بري وباسيل وجعجع… اختلطت الأوراق

سوف تضطر الأحزاب في لبنان عاجلاً أم آجلاً إلى إعادة نظر في اهتماماتها وأساليب عملها وهيكلياتها الجامدة والمنتمية إلى الماضي. ستعيد النظر على وقع حركة شارع أعادت دفق الحياة الصاخب إلى وسط بيروت بهتافات مطلبية وسياسية لم يعد ممكناً إشاحة النظر عنها.

لكن هذه الحركة المدينية الشبابية في الغالب، برؤوس كثيرة تتعدد معها وتتضارب الأهداف والشعارات والخلفيات. رؤوس تهددها بالبقاء أشبه بحركة “العاميات” الريفية التي طبعت النصف الأول من القرن التاسع عشر، مع تفاقم جور حكم “المير بشير” وتعاظم الضرائب وتفشي الفقر في جبل لبنان، فكانت صرخة وجع انتهت من دون تحقيق شعاراتها.

يتصل المتفاعلون مع الحملات الشبابية المدينية بـ”هاشتاغ”، عيونهم على صفحات “الفايسبوك” و”تويتر”، ينضمون إلى التظاهرات والاعتصامات جماعات من جامعتي القديس يوسف والأميركية في بيروت وما بينهما من جامعات ومعاهد، كما من المقاهي وأرصفة المدينة. حملات يسير فيها جنباً إلى جنب الساخط من تراكم النفايات وضيق الحياة وأزماتها المعقدة في لبنان، والحالمون بتحقيق أفكار لينين وتروتسكي وبشير الجميّل وآية الله الخميني وأنطون سعادة وشربل نحاس، وأيضاً الـ14 آذاريون الخائبون من مآل “انتفاضة الاستقلال” والخائبون كذلك من انتصارات “حزب الله” الإلهية والبشرية في لبنان وسوريا والعالم.

إلا أن هناك جمهوراً آخر ريفياً في الغالب، ملتصقاً باعتقاداته الدينية والحزبية، حاضراً وبقوة يستحيل تجاهلها، تجلّى خلال أيام قليلة في تظاهرة “التيار الوطني الحر” وأيضاً احتفال حزب “القوات اللبنانية” بذكرى “شهداء المقاومة اللبنانية”، وقبلهما في إحياء حركة “أمل” ذكرى إخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه. المناسبات الثلاثة ميزها الانضباط الحزبي. دعنا من جمهور “حزب الله” فهو الحاضر – الغائب الأكبر.

لا تعني المقارنة اختلافاً جذرياً في التطلعات عند القواعد، سواء أكانت حزبية أم غير منتمية سياسياً، وليس وطنياً. في الأصل تشكل الأحزاب جزءاً من المجتمع المدني الأهلي وهي في القانون جمعيات كغيرها، ولكنها تتعاطى السياسة والشأن العام. ولعلّ أبرز اختلاف بين تحرك الشارع وحركة الأحزاب هو عفوية تطبع أنشطة حملات شبابية انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتربط بين أناس مستقلين، أناس أحرار مثل كواكب في الفضاء لا قيادة ولا قائد عليهم، في مقابل تنظيم مشهدي للمناسبات الحزبية وبعضها سنوي.

كانت رسالة الرئيس نبيه بري أنه لا يزال “ملك اللعبة السياسية” منذ 23 عاماً هي مدة رئاسته مجلس النواب، لا تهز موقعه احتجاجات شارعية شملته بتهمة الفساد على قاعدة “كِلّن يعني كِلّن”. رسالة الوزيرجبران باسيل طلبت مبايعة وثقة شعبية بعد ترئيسه حزبياً على “التيار” ومحاولة تخلص صعبة مما أصابه خصوصاً في ملف الكهرباء التي طالب بها مثله مثل سائر المواطنين متجاوزاً الوعود على عهده في الوزارة بإضاءة لبنان 24 على 24. رسالة الدكتور سمير جعجع أطلقها ثورة ضد الفساد من خارج اصطفاف قوى 8 و14 آذار، متهماً بدوره المشاركين في الحكومة، والدليل الأكبر أزمة النفايات. اتهام أثار استياءً ضمنياً ومعلناً من حلفاء له مفترضين في قوى 14 آذار (سابقاً؟) في طليعتهم حزب الكتائب الذي لن يتأخر ردّه، وإن مداورة، خصوصاً أن رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل أكثر المنزعجين من أزمة النفايات التي كان سبّاقاً في الإكباب عليها واقتراح حلول تجاهلتها الوزارة المعنية والحكومة ككل على مدى 7 شهور حتى اصطدمت هي والبلد كله بالجدار وتلال الزبالة تملأ الطرق والأودية. كما أنه، سامي الجميّل، متوثّب لاتخاذ قرار باستقالة وزراء الحزب من الحكومة، ولم يتراجع إلا لمهلة غير طويلة، وبعد وعود وعهود حملها إليه باسم الرئيس تمام سلام قبل ايام وزير الداخلية نهاد المشنوق.

ولربما حظي خطاب جعجع بالقسط الأكبر من الاهتمام لتضمينه موقفاً رافضاً مشاركة “القوات” في الحوار الذي دعا إليه الرئيس بري، مشترطاً لتعديل رأيه حصر البحث في انتخاب رئيس الجمهورية وإعلان “حزب الله” موافقته على نزول نوابه إلى جلسة الانتخاب المقبلة في 30 أيلول الجاري. هذا في الشق السياسي، أما في الشق المبدئي فكثيرون ترجموا موقف جعجع تخلياً عن جسم 14 آذار مع الاحتفاظ بموقف الدفاع عن الروح، أي مبادئها، وبشراسة، ليسير مع رأي عام جارف قلّما يؤمن به جعجع في الأساس، وربما ليحاول تصحيح مساره المتخبط في السياسة العملية، إن لم يكن الأعمى.