يمكن المغامرة بالافتراض بأن الحرب الأميركية – الروسية لن تندلع لا في سماء سوريا ولا على أرضها! وما تجنّبه مستر أوباما على مدى الأعوام الخمسة الماضيات، لن يُقدم عليه في الأخماس الأخيرة من ولايته، ولن يتورّط في شرب كأس مرّة، جَهِدَ لإبقائها بعيداً عن شفتيه!
لكن الفارق واضح بين «حرب» مباشرة (مستحيلة) أو «التورّط» في النكبة السورية عسكرياً، وبين المطروح راهناً بعد فشل، أو إعلان تعليق العمل بما سمي «اتفاق جنيف» الذي وضعه وزيرا خارجية الولايات المتحدة وروسيا جون كيري وسيرغي لافروف.
والفارق واضح أيضاً بين قرار مستر أوباما عدم الانجرار إلى اعتماد العسكر في سياسته، وبين قرار غيره جرّه، غصباً عنه إلى زاوية مقفلة لا منفذ فيها سوى الطخّ بالبارود والرصاص!
وهذه أيام ربما تكون الأصعب بالنسبة إلى ساكن البيت الأبيض، حيث يجد نفسه محاصراً بين خيارين أسوأ من بعضهما بعضاً: الأول السكوت عما يفعله المحور الروسي – الإيراني في حلب، والموجّه، ليس فقط ضد كل معارضي الرئيس السابق بشار الأسد، وإنما أيضاً ضد أميركا نفسها! وضد ثقلها الذي رعى بداية نمو النكبة السورية إلى مستويات كارثية! ثم رعى «اتفاق جنيف» كصيغة مرحلية تهدئ الوضع ميدانياً وتفاوضياً بانتظار الإدارة الأميركية الجديدة!
والثاني، الانخراط في عملية عسكرية «محدودة» تطال مواقع نظامية أسدية، قد تنتج في سياق منتوجاتها، أسئلة «أخلاقية» كبيرة مفادها: إذا أدت الضربة الجزئية هذه إلى لجم كل المحور الإيراني – الروسي وأعادته من تيه خيار «الحسم العسكري» إلى سكّة «الحل السياسي»، فلماذا لم تنفذ قبل الآن؟ ولماذا تفرّج حامل «جائزة نوبل للسلام» كل الفترة الماضية، على هذه المذبحة غير المسبوقة منذ عقود من دون أن يرفّ جفن من جفنيه؟! ولماذا طنّش عن فظاعات بحق البشرية بحجة «الحرب على الإرهاب»؟ ولماذا استعمل حججاً بشعارات كبيرة للهروب من خطوات «صغيرة»؟ يعني، هل كان تزويد المعارضة المعتدلة ببعض السلاح النوعي، يعني تورّطاً في سوريا مثلما فعل جورج بوش الابن في العراق؟ وهل طلب طرف واحد، سوري وغير سوري اجتياحاً برياً أميركياً لسوريا مثلما فعل بوش في العراق وقبله في أفغانستان؟!.. ثم إذا كان سقف موقفه «الاستراتيجي» لا يتخطى مفهوم «الحل السياسي»، فهل اعتقد فعلياً أن بشار الأسد والإيرانيين يمكن أن يبلعوا أو يهضموا ذلك الخيار كلما تقدموا متراً على الأرض؟! وهل يعتقد جدياً وفي الأصل، أن هؤلاء يريدون ما يسمى حلاً سياسياً؟!
الواضح أن هذه الأسئلة وغيرها لم تعنِ ولا تعني شيئاً لمستر أوباما، وإلا لكان العالم شاهد جواباً واحداً عنها طوال المرحلة الماضية.. لكن محنته الحالية كامنة في أن معركة حلب يُراد منها أشياء كثيرة، أخطرها بالنسبة إليه، هو سعي فلاديمير بوتين لتوظيفها في الحملة الانتخابية الرئاسية لمصلحة دونالد ترامب، ضد هيلاري كلينتون والحزب الديموقراطي! بحيث أن سقوط المدينة سيعني سقوط السياسة الأوبامية في سوريا (أكثر مما هي ساقطة!) وأمام تحد مرير وقاس من قبل الروس! وهي السياسة المتهمة أصلاً من قبل الجمهوريين، بأنها وفّرت المناخ الملائم لظهور الإرهاب الداعشي نتيجة أخطائها وترددها، خصوصاً بعد استخدام الأسد السلاح الكيماوي في صيف العام 2013!
.. قد يتحرك أوباما مضطراً، تحت وطأة «العامل الانتخابي» ذاك ويأخذ بخيار توجيه ضربة محدودة ضد أهداف أسدية، وفي حسبانه أهداف أكبر، أولها ضرب محاولة بوتين للمشاركة في «التصويت» مع ترامب! وثانيها إعادة ترميم سقف ما يُسمى «الحل السياسي».. أما نكبة الشعب السوري فهي آخر همومه واهتماماته!
ومرة أخرى يمكن القول: شكراً رفيق بوتين!