نختم اليوم بمقالة رابعة ما كنّا بدأناه على مدى مقالات ثلاث عن «حكم الشيعة للبنان حتى العام 1760 وتعيين الحاكم الشيعي لبطريرك وتثبيه في منصبه، ولحديث الأكثرية الشيعيّة والأقليّة القليلة من المسيحيين»، ونعتبر أن هذه المقالات الأربع ـ تماماً كما حذرنا منذ العام 2010 من الخطر الذي يتهدّد المملكة العربية السعودية من بوابة اليمن عبر مقالات أربع أيضاً حذرّنا فيها من مخطط «يمن خوش هال، والذي جرى تطبيقه هذا العام ـ الحديث منذ العام 2008 عبر كتاب «تاريخ الشيعة في لبنان» للدكتور سعدون حمادة.
وبعد صدور الكتاب في العام 2008 عن دار الخيال، هناك من اجْتَهَدَ لتكريسه أطروحة و»مرجعاً» أكاديميّاً عبر الباحث الأكاديمي الكندي «ستيفان وينتر» وكتابه «شيعة لبنان في ظل الحكم العثماني 1516 ـ 1788»والصادر في العام 2010 كلّ هذه مجتمعةً، «تشكّل نُذراً خطيرةً لما ينتظرُ لبنان بمسيحيّيه خصوصاً، وأنّ كلّ ما يحدث سيقود إلى «مؤتمرٍ تأسيسي» ينتزع من المسيحيّين اللبنانيّين حقّ المناصفة وهو حقّ من حقوقهم ضمنه الطائف الذي عطّل الاحتلال السوري تطبيقه، وللأسف تورّط كلّ الذين تعاقبوا على الرئاسات الثلاث في التغاضي عن ذكر الطائف، إلا متى احتاج نظام الوصاية السوري لهزّ عصا إلغاء الطائفيّة لصخرة لبنان وبطريرك استقلاله الثاني مار نصرالله بطرس صفير ـ أطال الله عمره ـ كلّما ذكّر مطالباً بالانسحاب السوري وتطبيق الاتفاق…
يتحدث د. سعدون حمادة في كتابه عن حصوله على 845 وثيقة من شأنها ان تكشف وتكتب تاريخاً جديداً للبنان غير الذي نعرفه، ومن هذا الذي لا نعرفه والمدسوس كذباً على تاريخنا ينقل حمادة في كتابه «مما لا نعرفه او نعرفه مغلوطاً معركة عنجر وهي الكذبة الكبيرة فهذه المعركة حصلت بين الجيش العثماني والشيعة، ولكن هناك من قلب هذه الواقعة وجعلها بين فخر الدين والعثمانيين، وكان قائد المعركة منذر الحرفوش بينما فخر الدين باعتباره حاكم جبل الشوف ومعيناً من الدولة العثمانية فقد قاتل الى جانب الجيش العثماني، بينما التاريخ الذي نقرأه اليوم يقول ان المعركة حصلت بين فخر الدين وبين العثمانيين والامير يونس الحرفوش الشيعي وقف الى جانب العثمانيين، ونقلاً عن وثيقة للقنصل الفرنسي في ذلك الحين، فإن اربعة آلاف عسكري شيعي خاضوا معركة عنجر ضد العثمانيين»…
ويروي حمادة تاريخ «الجمهوريّة الشيعيّة» التي نشأت في لبنان وحمت اسم انتهت الثورة سنة 1710 ونشأت بعدها «جمهورية العصاة الحرة» وأنها استمرت حتى العام 1760 تاريخ بدء حملة عسكرية عثمانية واسعة ضد الوجود الشيعي في لبنان، فانهارت بعدها جمهوريتهم وبدأ حكمهم ومن ثم وجودهم بالانحسار في مختلف المناطق، فشرّدوا وهجّروا من أماكنهم، وتعرضوا لموجات إبادة واقتلاع».
ومباشرة بعد هذه الرواية يسرد الكاتب أسباب قيام الحملة العثمانية على «جمهوريّة العصاة»، ثم يردّها إلى إنشاء وطنٍ قوميَ مسيحيي، وهنا سنبرز ما نصّ عليه الكاتب في تاريخه: «حصل اتفاق دولي بين البابوية وفرنسا والدولة العثمانية، على اثر بروز فكرة أوروبية بإنشاء دولة في لبنان شبيهة ببعض الدول البلقانية التي كانت تتمتع ببعض الاستقلال الذاتي، وتكون مسيحية الوجه والتوجه، وموالية للغرب».
وهنا ننبّه الى خطورة الكلام الآتي والذي قاله سعدون حمادة في لقاء صحافي: «هذا يفسر مقولة لبنان ذو وجه عربي، أيّ له وجه آخر غربي، ويفسّر أصل الدعوات المتداولة لإنشاء الوطن المسيحي في لبنان، أنا أقول ما ورد في الوثائق، وفي هذه الوثائق أنّ أوّل من فكّر، أو أنّ صاحب فكرة إنشاء دويلة مسيحيّة هو قنصل فرنسا في حلب فرنسوا بيكيت الذي كان له مراسلات ديبلوماسية عديدة في هذا الشأن مع فرنسا والبابوية التي كان يوجد فيها مركز أو دائرة اسمها «مجمع الإيمان» او «البروباغندا» وقد تبنى هذه الفكرة لبناني لامع كان له دور كبير في الكنيسة البابوية هو سمعان السمعاني وكان يجيد أكثر من سبع لغات، وبتأثير منه بدأ العمل على فكرة انشاء دويلة مسيحية، او «بيت ماروني» أو «وطن قومي» ومن ثمّ لقيت هذه الفكرة تأييداً من مسؤولين كبار في فرنسا منهم وزير الخارجية حينها الكونت دي جوفنيل، والكاردينال بازاران الذي اعتبر هذه الفكرة أمراً هاماً وحيوياً لأوروبا، ولم يعارضها السلطان العثماني لأن مبالغ طائلة من المال عرضت عليه».
هذا الكلام يقود إلى معادلة واحدة يطرحها الكاتب «مواربة» أو «تقيّة» بأنّ لبنان الوطن المسيحي قام على أنقاض «جمهوريّة الشيعة العصاة»، وأنّ الوقت قد حان لاسترداد «جمهوريّة الشيعة»، هذا إن قامت لهم جمهوريّة في الحقيقة!!
أختم فأقول: من دون مسيحيي لبنان لا وجود للبنان بأي طائفة حكمته هم أصله وحماته وحماة العرب بلغتهم وقرآنهم، وهم أصل لبنان ومؤسسوه، وكلبنانية من مسلميه السُنّة، أرفض أن أعيش في وطن لا كنائس تقرع أجراسها فيه، أرفض العيش في وطن بلا أديرة وبلا رهبان وراهبات وبلا أهلي وإخواني مسيحيي لبنان وشركائي في هذا الوطن، لن يكون في لبنان «مؤتمر تأسيسي»، بصرف النظر عن الأحاديث التاريخية الشيعيّة ووثائقها التي لم تنشر بعد، وللمناسبة هي لن تقلب تاريخ لبنان ولن تعيد كتابة تاريخه!!