إبان توقيع إتفاق الإطار بين إيران والدول الست بدأت «عاصفة الحزم» ووقفت طهران موقف المتفرّج معتبرة أنها تملك الأرض في اليمن ولا حاجة لها لإحباط مشروع الإتفاق النووي قبل 30 حزيران المقبل، إلى أن بدأ أنصار الرئيس عبد ربه منصور رصّ صفوفهم تدعمهم من الجوّ غارات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية ليتغيّر هذا الواقع شيئاً فشيئاً على الأرض.
جلّ ما حصل من ردّات فعل، صدور بعض الأصوات المندّدة بالتدخل السعودي من دون الإلتفات إلى ما تفعله إيران في سوريا.
وما كادت إيران توافق على مشروع الإتفاق النووي حتى بدأ الدعم الغربي لـ»عاصفة الحزم» في مجلس الأمن بقرار أصدره يهدف إلى تطويق المدّ الحوثي واضعاً زعيم الحوثيين وإبن الرئيس السابق علي عبدالله صالح على لائحة الأشخاص المصادَرة أموالهم دولياً.
وعندما حاولت السعودية أن تفسح المجال أمام الحلّ السلمي، راح الحوثيون يتابعون توسّعهم على الأرض فردّت عليهم السعودية باستمرار الغارات الجوية والحصار البري والبحري والجوي.
وفي المقابل حاولت إيران توجيه رسالة بأنها قادرة على التأثير في حركة الملاحة في مضيق «باب المندب» من خلال احتجار باخرة نقل تجارية أميركية حتى أفرجت عنها بعد ساعتين، ما يؤكد أنّ قدرتها على التأثير في هذه الأزمة باتت محدودة ومقيّدة في إطار الحلّ السلمي داخل اليمن بغية عدم الإطاحة بإتفاق الإطار النووي المنوي توقيعه مع الدول الست.
ولم يقف الدعم العربي عند هذا الحدّ، بل راحت فرنسا بعد الولايات المتحدة الأميركية توقّع مع دول الخليج أكبر صفقات سلاح حصلت في الشرق الأوسط، ولا سيما منها صفقة طائرات الـ»رافال» التي عقدتها فرنسا مع قطر وقريباً مع دولة الإمارات العربية المتحدة.
وقد شكّلت العاصفة السعودية وقفاً للمدّ الايراني في المنطقة ودعماً، ولو معنوياً، للثوار في سوريا الذين باتوا يضيّقون الخناق على نظام الرئيس بشار الأسد، الذي لم تعد تجري الرياح بما يشتهيه ضماناً لمستقبله في أيّ حلّ للأزمة السورية، وراحت تتردّد مواقف الغرب تأييداً لهذا الإتجاه ولا سيما منها موقف وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي أكّد تصحيحاً لمواقفه السابقة التي خدعت حينها نظام الأسد وحلفاءه من «أنه لا بدّ من التفاوض معه»،
فأكّد مراراً أنْ لا مستقبل للأسد في حلّ الأزمة السورية في الوقت الذي لم تعد روسيا تضغط لبقائه في سدّة الحكم، خصوصاً أنها منشغلة بأزمتها مع الغرب الذي طوّقها جرّاء تدخّلها في أوكرانيا ما رتّب عليها أزمة إقتصادية فتراجع تصنيفها الدولي كثامن قوة إقتصادية في العالم إلى ما دون هذا التصنيف، ودفعها إلى إستبدال أوكرانيا بتركيا موقعاً جغرافياً لنقل الغاز إلى أوروبا.
وقد هدأ اليوم المندّدون بالتدخل السعودي في اليمن بعدما أدركوا أنّ ذلك لن يجدي نفعاً ولن يحدّ من حركة السعودية هناك، ما يتيح بداية معالجة الأزمات الناتجة عن الإعتقاد السائد بأنّ إيران تَسير في إطار ترسيخ نفوذها في كلٍّ من سوريا ولبنان واليمن والعراق، خصوصاً صرف النفوذ السياسي في لبنان، حيث بدأ تحريك الملف الرئاسي ووضعه على نار هادئة ليدرك الجميع أنّ صرف النفوذ لن يكون في الإطار الذي يشتهيه البعض.
أما في العراق وبعدما وافق الكونغرس الأميركي وبموافقة رئيس الحكومة العراقية العبادي الضمنية على تسليم العشائر السنّية والأكراد سلطة محلية ما يؤشر إلى أنّ مستقبل العراق شبه الفدرالي آخذ في الترسخ بما لا يسمح للهيمنة الإيرانية أن تشمل كلّ التراب العراقي وكامل الجماعات هناك، وذلك في إطار معارضة ومواجهة فكرة إلحاق العراق بالنفوذ الإيراني المطلق.
هذا ويبدو أنّ إيران قد اقتنعت بأنّ الأولوية هي لتوقيع الإتفاق مع الغرب لحلّ مشكلتها الإقتصادية وفكّ الحصار عنها بدلاً من السير في رمول المواجهة مع المجتمع الدولي المحفوفة بمخاطر إفلاس الدولة قبل أن تتمكن من بسط نفوذها على الدول التي سعت إلى إلحاقها بـ«الإمبراطورية الفارسية» المنشودة، ما يعني أنّ قطف ثمار الإتفاق الإيراني مع الغرب بدأ يقطفه العالمان العربي والغربي قبل طهران، ما يؤكد إنتصار الديبلوماسية والضغوط الدولية على مشاريع إيران غير السلمية.