فجأة ومن دون سابق انذار حل «التفاؤل» ضيفا على الحياة السياسية دفعة واحدة ، من عودة التواصل النيابي من بوابة «تشريع الضرورة»، مرورا بملف العسكريين الاسرى مع عودة «داعش» الى الواجهة وانكفاء «النصرة»، وصولا الى التحركات الداخلية على خط الاستحقاق الرئاسي. كل ذلك بالتزامن مع دخول ايران حلبة السباق الاقليمي والدولي على تسليح الجيش اللبناني، معلنة استعدادها تزويد المؤسسة العسكرية بكل المعدات التي تحتاجها، بعد فترة من تقديم السعودية هبة المليار دولار.
فبعد ان ادت وظيفتها للمرحلة الحالية، كاسحة الالغام من امام «تشريع الضرورة»، تقول مصادر نيابية تكفلت جلسة الدقائق الثلاثين «بنسف» التوافقات واعادتها الى ادراج اللجان، التي يعرف الجميع موعد دخول المشاريع اليها ليبقى خروجها مرهوناً بتوقيت ما، عاكسته الموقف الليلي «للاستاذ» ردا على منتقديه والخلاف الذي برز بين القطاعين العام والخاص واعتراض العسكريين من جهة وعدم التوافق السياسي على ارقامها واقرارها من جهة ثانية.
غضب المستفيدين من «السلسلة» قابله ارتياح على المستوى الاقتصادي تضيف المصادر، فلا التبريرات النيابية ولا المواقف السياسية، الغت التساؤلات عما اذا كان من قطبة مخفية تم تنسيقها بين المعنيين لتشكل مخرجا لازمة اقرار «السلسلة» وتداعياتها على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، في محاولة جديدة لكسب المزيد من الوقت بعدما عاد المشروع الى نقطة البداية، في ظل اعتراض «الهيئات الاقتصادية» وتحذير المختصين من ارتداداتها السلبية. رغم ان مصادر مقربة من عين التينة كشفت عن ان اجتماعات مكثفة ستعقد في مجلس النواب بين مختلف الافرقاء للوصول الى صيغة نهائية للسلسلة.
غير ان اللعبة السياسية الداخلية اجتازت بالامس وبحسب المصادر احدى مراحل الستاتيكو لتدخل في اخرى، اولى ملامحها المساكنة او المقايضة وصولا الى التمديد، حيث تشير المصادر الى ان المقايضة على إقراره لن تكون على مستوى استئناف التشريع كشرط للتصويت عليه فقط، بل أن رئيس مجلس النواب نبيه بري، يسعى الى ربط موافقته عليه، بانتخاب رئيس الجمهورية فور إقراره، بطبخة برية – حريرية – جنبلاطية، دون استبعاد ان يكون شمخاني ابلغ الرئيسين بري وسلام موقفا من رئاسة الجمهورية اللبنانية ردا على المساعدة بهذا الشأن التي طلبها رئيس الحكومة من الرئيس الايراني، ما حرك موفد رئيس «جبهة النضال الوطني» الوزير أكرم شهيب الى الرابية مدعوما بتصريحات جنبلاطية عن شرعية العماد عون في الترشح لرئاسة الجمهورية، والوزير جبران باسيل الى دارة الرئيس سعد الحريري في باريس، والنائب محمد رعد الى كليمنصو.
ومع عودة الحيوية الى مجلس النواب، تضيف المصادر، تتجه الانظار اليوم الى اجتماع الحكومة للبحث في شؤون امنية واتخاذ القرارات على اكثر من صعيد، حيث تتخطى مسألة المقايضة «تشريع الضرورة» من حيث الاهمية والخطورة، لتكون مادة رئيسية على طاولة مجلس الوزراء حيث لن يكون مصيرها افضل حالا من «السلسلة»، في ظل اتهام فريق الثامن من آذار لشركائه في الحكومة بالخروج على الاجماع الوزاري ومحاولتهم الالتفاف عليه واستبدال التفاوض بالمقايضة، كذلك في ملف اقامة مخيمات للنازحين السوريين، بالشكل الذي يطرحه وزير الداخلية والمرفوض من تكتل التغيير والاصلاح، في ظل تأكيد آذاري على وجود ضغط من قبل النظام السوري لمنع استحداث تلك المخيمات في محاولة منه لانتزاع اعتراف حكومي بشرعيته، في ظل ضغطه من خلال الوضع المتوتر بين عرسال ومحيطها، لاعادة الاعتبار الى معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق بين البلدين، وتحديدا البند الرابع الوارد فيها والمتعلق بالتعاون الامني بين البلدين. ما من شأنه ان يجعل العمل الحكومي موصدا امام التفاهمات حيال هذه الملفات في اقل تقدير.
مصادر وزارية مطلعة كشفت ان احد البدائل المطروحة امام اصرار حزب الله على رفض اقامة المخيمات عند الحدود اللبنانية – السورية، استئجار مركز تسوّق ضخم، عبارة عن مبنى مساحته تتعدى 120 ألف متر مربّع لم يكتمل بناؤه في بلدة مكسة البقاعية، باتجاه بلدة تعنايل، وتؤكد هذه المصادر ان نجاح عملية التفاوض لاطلاق العسكريين او عودتها إلى نقطة الصفر لا يعفي الحكومة من مسؤولية حسم قرارها لجهة اقرار المقايضة، كباب وحيد للخروج من الحلقة المفرغة التي يدور فيها ملف الاسرى.
ولبنان الغارق اكثر فأكثر في وحول الملفات المتراكمة، والعائم على كف استحقاقات مفصلية جاهزة للانفجار في اي لحظة، امنيا وسياسيا، حيث يحضر على حد قول مصادر وزارية محسوبة على «تيار المستقبل»، ملفان آخران لا يقلان اهمية، على طاولة السراي، الاول مرتبط بنقاش الهبة العسكرية المقدمة للجيش اللبناني والتي اعلن عنها الامين العام لمجلس الامن القومي الايراني علي شمخاني، الذي لا يقل دوره اهمية في الحرس الثوري عن دور الجنرال قاسم سليماني، المكلف حاليا معالجة الموقف في العراق بعد ظهور «داعش»، والذي ادار عملية التخلي عن المالكي لأن الحفاظ على الرئيس بشار الاسد هو الاولوية بالنسبة لايران ولبنان جزء من هذا التوجه. وفي هذا الاطار تشير المصادر الوزارية الى ان الدولة اللبنانية لا يمكنها قبول هبة الجمهورية الاسلامية لان ذلك يتعارض مع الشرعية الدولية في ظل وجود قرار صادر عن مجلس الامن يحظر على ايران بيع السلاح وعلى الدول الاخرى شراؤه منها.
اما الملف الثاني تضيف المصادر المحسوبة على «المستقبل» فيتعلق بعزم بعض الوزراء طرح موضوع لقاء وزير الخارجية جبران باسيل بنظيره السوري وليد المعلم في نيويورك دون قرار من مجلس الوزراء او رئيسه، من زاوية كونه خرقاً لمبدإ النأي بالنفس عما يجري في سوريا الذي بني عليه البيان الوزاري لحكومة المصلحة الوطنية وكونه تصرفاً بني على «حسابات سياسية» خاصة، فضلا عن اقرار الوزراء في جلستهم الاخيرة تفاصيل تحرك الوفد اللبناني في نيويورك. هذا من جهة، ومن جهة ثانية حضور وزير التربية الياس بوصعب اللقاء مع وزير خارجية الامارات دون ان يكون عضوا رسميا في الوفد اللبناني، علما ان الوزير باسيل سرب عبر مقربين منه الى وسائل اعلامية لبنانية استبعاد رئيس الحكومة المقصود له عن اللقاء مع وزير الخارجية الاميركية جون كيري.
عود على بدء، الى البلبلة نفسها لأن كل الاحتمالات واردة. ففي مقابل تلك النقابية هناك اخرى يعيشها أهالي العسكريين المخطوفين الذين يزداد وضعهم غموضا، لن تبدده جلسة مجلس الوزراء التي قد تبحث هذا الملف وتتخذ في شأنه قرارات نوعية. مهما يكن تؤكد مصادر مواكبة، الثابت ان السلسلة الناقصة التي لم تقر بالامس، ضمن توافق سياسي مركب، لا تستوفي الشروط الاقتصادية المطلوبة، ان لجهة عدم تأمين كل الموارد المالية لها، ما سيزيد عجز الموازنة، كما لجهة زيادة معدل غلاء المعيشة بين 10 و15 في المئة، بحسب التقديرات. والى المؤشرات المضافة على فشل الطبقة السياسية، ما ستشهده جلسة مجلس الوزراء اليوم من اخذ ورد حول مجموعة من الملفات المطروحة. فما تراه يكون الدور الجديد الذي يرسم للسلسلة؟