ما أن حدّد الرئيس تمام سلام الخميس كتاريخ نهائي لحل أزمة النفايات حتى أطلت أزمة رواتب العسكريين لتحكم الخناق على الحكومة من جهة، وعلى ما تبقى من مؤسسات الدولة من جهة أخرى.
فإضافة إلى عجز الحكومة عن المضي قدماً وطي صفحة النفايات قبل تفاقم الأوبئة مع قدوم فصل الشتاء والأمطار، تحوّلت الأنظار إلى المجلس النيابي العاجز عن تأمين جلسة «تشريع باتت لأكثر من ضرورة»، وما يمكن أن يحمل ذلك من انعكاسات سلبية على المؤسسة العسكرية، والتي بقيت حتى اليوم صامدة في وجه الانقسامات العامودية، وعلى معنويات العناصر الأمنية التي باتت الضمانة الوحيدة لأمن الوطن، بعدما انبرى كل فريق سياسي لينفذ أجندته الخاصة ضارباً عرض الحائط المصلحة الوطنية والاستقرار الداخلي والقواعد الدنيا للحفاظ على العيش المشترك.
وفي ظل هذه الأزمات المستجدة، تراجعت مسألة انتخاب رئيس للجمهورية في سلم الأولويات، وبات تأمين جلسة تشريع الضرورة هو الأولوية المطلقة، لتأمين رواتب العسكريين من جهة حفاظاً على معنويات المؤسسة التي تقدّم الغالي والنفيس في مواجهتها للإرهاب، مع أدنى مستوى للدعم الداخلي، وهنا نعني بشكل فعلي وليس نظري وخطابي، وتجميد متعمد للدعم الخارجي حتى تتوضح الخارطة السياسية في الداخل والخارج، ولمحاولة إنقاذ القروض الميسرة التي يهدد البنك الدولي بتجميدها في حال استمرت الدولة اللبنانية غير قادرة على الإيفاء بتعهداتها وصنفت رسمياً «دولة فاشلة»، مما يهدد مشاريع عديدة أكثر من حيوية أهمها سد بسري، في حين باتت الخطط المستقبلية لتأمين وتحسين الخدمات الحياتية هي على رأس اولويات المواطن، خاصة في ظل الفشل السياسي الذريع للحفاظ على الجمهورية وعلى الممارسة الديمقراطية السليمة.
وبعدما طلب الوزير شهيب مهلة 48 ساعة لإخراج النفايات من زواريب السياسة والتقسيمات المناطقية نحو الحلول الوطنية التي تضع الجميع أمام مسؤولياتهم الوطنية من دون أن تلحق الغبن بمنطقة دون أخرى أو تحمل فريقاً معيناً حمل نفايات وطن بأكمله.
أما العملية الأمنية الأخيرة التي أوقفت صفقة تهريب كمية هائلة من الكبتاغون خارج الأراضي اللبنانية، إن دلت على شيء فهي تؤكد ضرورة تعاون جميع القوى السياسية دون استثناء لإنجاح الخطة الأمنية في البقاع، حيث القبض على مصادر إنتاج وتسويق المخدرات هو الأهم، بما أن عملية الشراء تمت داخل الأراضي اللبنانية وأموالها لا تزال تضخ في المعامل المنتجة لهذه المواد القاتلة والتي تروّج في الداخل كما الخارج، مشكلة آفة جديدة تهدد الشباب اللبناني إلى جانب البطالة واليأس من وطن امتهن تهجير أبنائه ورميهم في بحار المجهول، تلفظهم تارة على شواطئ الموت أو تقذفهم طوراً في مجتمعات ستبقى غريبة مهما حاولوا الاندماج فيه. إنه وطن بقي يصدّر الطاقات البشرية والكفاءات المهنية إلى بلاد تحترم الإنسان وحقوقه قبل الواجبات، حتى بات فارغاً إلا من النفايات على مختلف المستويات، من دون ان يلوح أفق انفراج في المستقبل المنظور.
فهل تتحمّل الأطراف السياسية مسؤولياتها الوطنية في تمرير هذه الاستحقاقات بأقل أضرار ممكنة، ولن نقول إيجاد الحلول بما أن المفاتيح لا تزال عالقة في الجيوب الإقليمية العديدة؟