كما في الجولة الحوارية الأولى، كذلك في الجولة الثانية امس. تأكيد المؤكد أيضا: انقسام وافتراق حول الموضوع الرئاسي.
مسار المناقشات هادئ، والرئيس نبيه بري يضبط إيقاعها بالحد الأعلى من الحرص على عدم انزلاق المتحاورين الى حلبة الاشتباك، فكل الظروف مؤاتية لذلك، والكلام يدور حول نفسه، ويستنسخ كل التناقضات والتعقيدات، والمتحاورون يتربصون بعضهم بعضا، وكل خلف متراسه وعلى سلاحه، ومتشبت بمسلّماته وثوابته وموقفه النهائي من كل الامور، لا بل بتناقضه مع الطرف الآخر، وبالتالي لا تبدو في الأفق الحواري، أية إمكانية ليتقدم أحد في اتجاه الآخر.
في حلقة الدوران حول الذات هذه، واضح أن مسار الحوار معقد: المتحاورون عالقون في البند الرئاسي. لم يعد السؤال كيف سائر بنود جدول الأعمال، بل كيف ومتى سيتم تجاوز البند الرئاسي؟ خاصة أن دوران المتحاورين حوله أظهره وكأنه متاهة، وليس منهم من يملك المفتاح، أو خريطة طريق الخروج منها.
اذاً، البند الحواري الاول مقفل، وثمة إقرار واضح بأن إمكانية التوافق على شخص ما، في ظل هذا الجو الانقسامي، مستحيلة، خاصة أن على طاولة الحوار مجموعة من المرشحين الذين من الطبيعي أن يزكّوا أنفسهم على كل الآخرين، ولولا الحرج لكان بعضهم قد جاهر علنا بمواصفاته وخصاله، بدل أن يلف ويدور حولها تارة بالظهور بمظهر الحريص على الدستور والتقيد بأحكامه، وتارة اخرى بارتداء ثوب الديموقراطية والقول بأن الكلمة للشعب، وتارة ثالثة بالحديث عن الرئيس القوي… ومن شأن ذلك أن يرسم علامات استفهام حول مستقبل الحوار، وإمكانية استمراره، خاصة أن من المتحاورين من يعلن رفضه الاستمرار في حوار، فقط من أجل الحوار.
غاب ميشال عون، وحضر «ملاكه» جبران باسيل، ربما هي علامة يعطيها عون عن عدم رهانه على نتائج من هذا الحوار، لا في البند الرئاسي ولا في الامور الاخرى وتحديدا قانون الانتخاب. ولا يخفي بعض المتحاورين خشيتهم من الدخول في الروتين، ويصبح الحوار مع الوقت مسلسلا أسبوعيا مملا. ولكن مهما يقال عنه، يبقى حوارا تمليه الظروف التطورات الداخلية، بحسب ما يؤكد الرئيس نبيه بري، خاصة أن من شأنه ان يخلق مناخات إيجابية، وبالحد الادنى يساهم في تعزيز الاستقرار.
طرقت النفايات باب الحوار، فأُخرجت منه على أساس ان الحل ليس هنا، المعتصمون يصيحون في الخارج، الصوت لم يكن مسموعا في الداخل، مرت ثلاث ساعات ونصف ساعة على المناقشات، استعيدت فيها المواقف ذاتها، تعب المشاركون، اتفقوا على العودة مجددا الى طاولة الحوار بعد اسبوع، ربما لإعادة تكرار الأسطوانة ذاتها.
وكانت الجولة الحوارية الثانية قد انعقدت في المجلس النيابي، ووسط إجراءات أمنية مشددة، ابتداء من الثانية عشرة ظهر امس، بحضور كل أطرافها، وفي غياب رئيس «تكتل الاصلاح والتغيير» النائب ميشال عون الذي أناب عنه وزير الخارجية جبران باسيل. وخلصت، بعد ثلاث ساعات ونصف ساعة، الى «تأكيد دعم الحكومة لتنفيذ القرارات المتخذة لمعالجة الملفات الحياتية الأساسية».
وأمام هذا «الإنجاز» الوحيد لجلسة الحوار، برز انسحاب النائب وليد جنبلاط من الجلسة، لسبب شخصي، وربما صحي، ومنعا للتأويل ولوقف سيل التفسيرات التي واكبت مغادرته، غرد جنبلاط عبر تويتر قائلا «الجلسة ممتازة والأجواء إيجابية. لا داعي لتأويل مغادرتي وتحميلها تفسيرات في غير محلها.. لقد غادرت بسبب ظرف محض شخصي لا علاقة له بالسياسة».
وفي وقائع الجلسة، فقد افتتحها الرئيس بري بكلمة أعاد فيها تأكيد أهمية الحوار في ظل الظروف الصعبة التي يشهدها لبنان، ومشددا في الوقت ذاته على ان لا خلاص إلا بالحوار وإعطائه كل فرص النجاح الممكنة.
وأكد بري ان «الحوار ليس ملك احد إنما هو ملك البلد. ولا يتوقع احد ان نصل الى نتائج في جلسة او جلستين. وواضح ان معظم المشاركين ظلوا على مواقفهم وهذا أمر طبيعي. وإذا كان هناك من احد ينتظر ان ينجدنا احد من الخارج فسينتظر طويلا».
الرئيس تمام سلام أكد تمسكه بالحوار ثم تناول موضوع النفايات ودعا الى إخراجه من الصراع السياسي.
وشكر كل القوى على مشاركتها في الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء حول موضوع النفايات، وقال «المشاركة من حيث الشكل كانت جيدة إنما من حيث المضمون بقيت حالة الاعتراض والافتراق قائمة».
ودعا سلام المتحاورين الى دعم خطة النفايات، معتبراً أنه «اذا لم ننجح في خطة النفايات فهذا سيهدد البلد بأكمله»، مشيرا الى ان لا أحد يستطيع ان يقف في وجه الغضب الشعبي.
الرئيس نجيب ميقاتي تساءل عن فائدة انتخاب رئيس اذا كان الناس قد فقدوا الثقة بالدولة ومؤسساتها. وقال: «مسالك الحوار ليست مفتوحة أمامنا إلى ما لا نهاية، وصبر الناس ينفد من حال المراوحة بدون حلول تلبي تطلعاتهم ومطالبهم. ولم يعد يجدي نفعاً الخروج بورقة حل لأي ملف أو استحقاق، إذا لم تسلك طريقها إلى التنفيذ».
أضاف: «نحن أمام مهمة قصوى، وتحدٍ لا يجوز الفشل فيه، وهو تعزيز سلطة المؤسسات ودورها وقدرتها على اتخاذ القرارات الصائبة. بات يُخشى على سلطة الدولة التي هي الركيزة الأساسية لوجودها، ولتحمل المسؤوليات».
ودعا ميقاتي لعدم المراهنة على أن الحراك الشعبي هو مجرد ردة فعل.
وقال: «الدولة تتفكك أمام عيوننا في أحلك الظروف التي تمر بها المنطقة، ووسط أخطار ومخططات تعرفونها جميعاً. ولا يجوز أن تدمِّر خلافاتنا السياسية، أسس التعايش، ومقومات السلطة».
النائب طلال ارسلان دعا الى اتخاذ موقف داعم لخطة الوزير شهيب.
الرئيس فؤاد السنيورة أشار إلى «أننا نأتي إلى الحوارانطلاقاً من حرصنا على التقارب وعلى السلم الأهلي والعيش المشترك».
وتحدث عن وجود اتجاهين في معالجة القضايا الخلافية والمشكلات المتفجرة: الأول، يجنح إلى معالجة من خارج الدستور ومن خارج النظام السياسي، معتبراً أن اتفاق الطائف لم يعد صالحاً لتنظيم العلاقات اللبنانية ـ اللبنانية. وهذا الاتجاه يرفض الطائف، تارةً «بحجة حقوق طائفية مسلوبة»، وتارةً أخرى من أجل حماية سلاحٍ يحول دون قيام الدولة ويضع لبنان في مواجهة كل قرارات الشرعية العربية والدولية، لا سيما القرار 1701. وهذا الموقف يدخل لبنان في «مجهول ـ معلوم» يتلخّص بتجديدٍ حتمي للحرب الأهلية بين اللبنانيين.
وأما الاتجاه الثاني، في المقابل، وهو ما نراه ونتمسّك به، هو الاتجاه الذي لا يعتبر اتفاق الطائف حلاً من بين حلول، وإنما الحل الوحيد الموافق لطبيعة لبنان. ورأى أنه إذا كان لهذه «الطاولة» من جدوى فهي الاتفاق على أولوية انتخاب رئيس للبلاد وفقاً للدستور القائم، رافضاً الانتقال إلى أي بندٍ آخر قبل إنجاز الاتفاق على هذا الترتيب: انتخاب رئيس ـ تأليف حكومة ـ إقرار قانون انتخاب ـ إجراء انتخابات نيابية.
ورد على مداخلة النائب محمد رعد في الجلسة السابقة التي أشار فيها الى حالة تفاوت في الانتماء الوطني، وأسف أنه «ولمرة جديدة نجد أنفسنا نعود لنغمة غير مقبولة حين يطالب البعض، وفق ما سمعناه، بفحص دم لمنسوب الوطنية لدى شركاء لديه في الوطن».
وختم قائلا: لقد أصبح واضحاً أنه لا يمكن أن يصار إلى انتخاب رئيس للجمهورية من «14 آذار» أو «8 آذار» لأن ذلك سيؤدي عملياً إلى تغليب فئة على فئة. وبالتالي علينا ان ندرك أنه لا بدّ من أن نجد المرشح للرئاسة الذي يستطيع ان يكون مرشحاً توافقياً يطمئن إليه شتى الفرقاء في لبنان ويكون مقبولاً في بيئته ومؤيداً منها وأيضاً مقبولاً من باقي الفرقاء.
نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري رأى ان الحاجة أكثر من ملحة للوصول الى رئيس وفاقي.
النائب آغوب بقرادونيان رفض بحث النفايات على طاولة الحوار، فالوزراء أخذوا قرارا حولها.
الوزير بطرس حرب رأى أنه «لا نستطيع أن نهرب من موضوع النفايات، والحكومة تحتاج الى دعم القوى الموجودة على الطاولة».
الوزير ميشال فرعون رأى أن الازمة اكبر من كونها أزمة سياسية.
النائب وليد جنبلاط أكد ضرورة حل موضوع النفايات، ودعا الى إيجاد مكب في منطقتنا (الجبل) كما دعا الى فتح مكب برج حمود «وهناك في مجدل عنجر أساسا مكب لماذا لا نعود الى فتحه؟».
النائب سليمان فرنجية دعا الدولة الى ان تطبق الخطة الخاصة بالنفايات، وقال «الحكومة والقوى الامنية هي المعنية بتنفيذها».
وردا على السنيورة، قال فرنجية ان «الطائف هو مشروع وفاق وطني وليس دستور السنة أو الموارنة بل هو دستورنا جميعا»، واستنكر محاولات الاتهام لكل من يقول رأيا بأنّه ضد الطائف «ونحن لا نقبل ان يطرح أي تعديل يمس بصلاحيات الرؤساء الثلاثة، وأي تعديل دستوري يحتاج الى وفاق وطني».
السنيورة أثنى على كلام فرنجية وكذلك ميقاتي.
وتابع فرنجية: نحن مختلفون في القضايا الاستراتيجية، ونحن نفضل عدم تعديل الدستور، ونستمع الى الآراء التي تشدد على انه ممنوع تعديل الدستور، وهذا يعني انه ممنوع ان ينتخب موظف ممدد له رئيسا للجمهورية.
النائب اسعد حردان، دعا الى الاتفاق على مواصفات الرئيس كمدخل للتفاهم.
النائب سامي الجميل رأى أنه «بما انه طرح موضوع عدم تعديل الدستور فلنثبّت هذا الامر، ولنلتزم بذلك». وأكد ان موقف حزب «الكتائب» كان ضد ان ينتخب موظف لرئاسة الجمهورية.
وتحفّظ ارسلان على كلام السنيورة.
النائب محمد رعد قال: لا أريد أن أدخل في سجال ثنائي مع فؤاد (السنيورة) ولا أوافق على تصنيفه اللبنانيين الى اتجاهين، وكنت قد قلت سابقا إن البنود مترابطة، نحن مع استمرار النقاش بهدف الاتفاق، الخلاف ليس على الدستور بل على القراءة الدستورية. ليس البعض منا حامياً للدستور والبعض الآخر ضده، نحن مختلفون بالسياسة، هناك اختلاف حول مواصفات الرئيس فليدل كل بدلوه. ان الرئيس هو رمز الدولة وفي ظل الظروف التي تحيط بنا نحن مع انتخاب رئيس مسيحي يطمئن المسيحيين في لبنان، ويشكل رسالة طمأنة لهم في الشرق.
أضاف: لقد دعونا كتلة «المستقبل» منذ اكثر من سنة الى الجلوس والتفاهم مع التيار الوطني الحر، والبعض يطرح موضوع الطائف وكأنه مشكلة، لا أحد يطرح تعديل الطائف بل الموضوع المطروح هو الالتزام بالطائف.
الوزير جبران باسيل: في ما يتعلق بالنفايات نحن تحفظنا لكننا لم نسع الى العرقلة، وفي موضوع الرئاسة، الطائف كرس المناصفة والمشاركة، لكن هذا لم نره لا في مجلس النواب ولا في الحكومة ولا في الوظائف. الديموقراطية هي الناس، فيما يتهم البعض العودة الى الناس بأنها هرطقة، علما ان التوافق هو محصن بنصاب الثلثين، وأعاد تأكيد الموقف بالعودة الى الناس عبر تعديل الدستور او اعتماد قانون انتخابي جديد.
ورد بري معتبراً ان إجراء الاستفتاء كما هو مقترح، هو تعد على صلاحيات المجلس النيابي، أما اذا سلك الاستفتاء طريقه عبر تعديل دستوري، فهذه مسالة اخرى، علما ان إجراء الاستفاءات في النظام السياسي يعدل في النظام بأكمله.
بعد الجلسة تلا الأمين العام للمجلس عدنان ضاهر بيانا حدد فيه موعد الجلسة المقبلة يوم الثلاثاء 22 ايلول الجاري.
«نكزات» السنيورة
عندما أراد الرئيس السنيورة الرد على كلام النائب رعد في الجلسة السابقة، قال له الرئيس نبيه بري: إنت تارة تنكز بالمقاومة وتارة أخرى تنكز بآخرين.
السنيورة: أنا أريد أن أتفاهم ولا أريد أن اختلف.
رعد: إذا كنت حريصاً على هذا الجانب يفترض ألا يثير هذا الكلام هذه الحساسية لديك.
بري: فلنعد الى جدول الأعمال.
استثناء
لوحظ أن البيان الصادر عن طاولة الحوار تضمّن أسماء جميع الحاضرين باستثناء النائب إبراهيم كنعان الذي حضر مع الوزير جبران باسيل، حيث اكتفى البيان بالإشارة إلى حضور باسيل ممثلاً رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون «في هذه الجلسة».