الغريب في سياسة «الكاوبوي» الاميركي، ان واشنطن لم تعد تعرف كيف تتعاطى مع الحرب في سوريا، ان لجهة التدخل الروسي الذي بلغ ذروته، او لجهة منع أي تدخل عربي او دولي لوقف تلك الحرب وحسمها مع نظام بشار الاسد، على رغم مناداة حلفاء أميركا صبحاً ومساء بأن لا مجال أمام سوريا المستقبل في حال استمر الاسد في موقعه وجديد أميركا في هذا المجال اعلانها أنها ضد تدخل تركيا في الحرب السورية، والمقصود هنا هو قصف الاتراك المراكز العسكرية للنظام السوري، من غير ان يفهم من الاميركيين ما اذا كانوا مع الاسد او ضده، فضلاً عما اذا كانت واشنطن الى جانب الروس في تجارب اسلحتهم الحربية المتطورة في سوريا وضد المنادين بازاحة الاسد!
ان تجاهل الاميركيين ما يفعله الروس في سوريا، بلغ حد الاستهجان الدولي الذي يعني بالنسبة الى الاميركيين الشيء وعكسه، أضف الى ذلك ان الروس على طرفي نقيض من واشنطن بالنسبة الى ما هو مرجو لجهة انهاء الحرب في سوريا، حيث نشطت آلة الحرب الروسية المتطورة في مواجهة قوى المعارضة السورية التي تقتصر على أدنى مستويات التسلح قياساً على مدى وقوة جيش النظام المدعوم بقوى جوية روسية فضلاً عن قوى ايرانية مدعمة بعناصر من حزب الله، وهذه المفارقة لم تجد فيها أميركا الى الآن ما يحتم عليها فهم ما هو حاصل حقيقة على الارض السورية (…).
اللافت في هذا الخصوص ان الاميركيين انتقدوا تركيا على مواجهتها جيش الاسد في المناطق الحدودية المتاخمة للبلدين، فيما لم تقل أية كلمة انتقادية في وجه الروس الذين دفعوا أساطيلهم الجوية في الحرب السورية ليدمروا ما عجز الاسد عن تدميره، مع العلم أيضاً ان غاية الاميركيين ظهرت باتجاه الرغبة في تدمير كل شيء في سوريا والا ما معنى ترك الروس يواصلون حربهم المكشوفة ضد المعارضة السورية والشعب السوري أضف الى ذلك ان واشنطن انتقدت الاتراك على خلفية قصف المواقع العسكرية للسلطة من غير اعطاء تبرير لذلك؟؟
والغريب تكراراً في سياسة «الكاوبوي» الاميركي رفض واشنطن مقترحات حلفائها لجهة الدعوة الي تشكيل قوة دولية للتدخل البري في الحرب السورية، على أمل دعم الشعب المطالب بازاحة نظام الاسد والتدخل الروسي – الايراني، من غير حاجة سوى لغطاء دولي للتدخل الذي يرمي الى انهاء الحرب في سوريا، حتى وان كان المقصود تقاسم النفوذ في المنطقة حيث يتطلع الروس الى مكان لهم في الشرق الاوسط وليس لهم أفضل مما تؤمنه سوريا لهم في الوقت الحاضر على رغم ما يقال عن ان الدعم الروسي يقتصر على المساعدة الجوية فيما تؤكد معلومات أجنبية ان عدد الخبراء العسكريين الروس في سوريا قد زاد عن الخمسة الاف، اضافة الى الطيارين الروس؟!
هذا المشهد يستحيل ان يستمر على ما هو عليه، ليس لأن الشعب السوري يتعرض للاستنزاف فقط، بل لأن الاعداد الهائلة من الضحايا تخطت المليون، أضف الى ذلك هجرة أكثر من عشرة ملايين سوري نزحوا الى دول الجوار (لبنان وتركيا والاردن)، وبعض الدول الاوروبية التي سمحت لهم باللجوء الذي يستحيل ان يبقى على ما هو عليه من استنزاف بشري مخيف، بحسب ما تصفه مراجع دولية تتعاطي الشؤون الانسانية في الأماكن الساخنة من العالم؟!
هذا الواقع لا يعني شيئاً للادارة الاميركية التي تكتفي بالنظر الى الحال في سوريا على أنها تجري لما فيه مصلحة واشنطن، التي لن يكون بوسعها لاحقاً التدخل لاعمار ما دمرته الحرب، بل لحساب كل قرش ستستفيد أميركا والغرب منه، خصوصاً ان التدمير في سوريا لم يوفر مدينة ولا بلدة. بما في ذلك البنى التحتية في طول سوريا وعرضها، أضف الى ذلك أنه يستحيل القول عن النازحين أنهم سيعودون الى بلادهم فور توقف الحرب، حيث لا منازل ولا أماكن يمكنهم اللجوء اليها (…).
ليس بالضرورة ان يكون التدخل التركي في الحرب السورية على حق، لكن المنطق يقول «أين الاميركيين مما يحصل في سوريا منذ خمس سنين، وبعد طول كلام على ان واشنطن كنت مستعدة للتدخل في الحرب قبل ان يدخلها الروس، حتى وان كان المقصود أولاً تقليم أظافر الايرانيين الذين وجدوا الفرصة متاحة لهم في الحرب ومعهم حزب الله لمساعدة نظام الاسد على البقاء، بعد كل ما تردد عن تهالكه القريب نظراً لعدم قدرته على التماسك في مواجهة المعارضة وقبل ان تتطور الأمور باتجاه خروج «داعش» من أوكار النظام في عدد من المناطق ما جعل الأمور العسكرية تتغير باتجاه تماسك نظام الاسد، الذي عرف كيف يورط الروس في حربه وبما يمنع الاميركيين من ان يتدخلوا ومعهم بعض حلفائهم في المنطقة ممن أعلنوا صراحة أنهم على استعداد للتدخل في حال كانت موافقة أميركية على ذلك (…).