الرهانات تتجدد من موعد الى آخر، وسط تصاعد الامنيات والآمال وتراكم خيبات الأمل. ولا أحد يجزم، وان كان الكل يطالب، بانضاج اتفاق على قانون الانتخاب في افطار القصر الجمهوري. فالوقت ضاق كثيرا ويكاد ينفد بعد ايام بالنسبة الى انجاز اي قانون. وأخطر ما يكشفه السجال والحوار حول أزمة القانون هو ان المساحة المشتركة وطنيا وسياسيا وثقافيا بين اللبنانيين تضيق بدل ان تصبح أوسع.
ذلك ان المسافة بعيدة بين السياسة في لبنان والسياسة بمفهومها الاصلي. ففي الجامعات يدرس الطلاب ان السياسة هي فن ادارة شؤون الناس. وعلى الارض، خارج الجامعات، يرى اللبنانيون ان السياسة هي فن الصفقة حسب عنوان كتاب للرئيس الاميركي دونالد ترامب، وفن ترتيب شؤون النافذين. ما تعلمه روبرت ماكنمارا وزير الدفاع الاميركي ايام الرئيس جون كينيدي من دروس الادارة الجيدة لأزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا والتي وضعت العالم على حافة حرب نووية، هو وجوب الانتقال من ادارة الأزمات الى تفادي الأزمات. وما نتعلمه نحن باللحم الحي هو الهرب من التسويات والحلول الممكنة للأزمات الى ادارة الأزمات بوسائل فاشلة تزيد من خطورة الأوضاع.
ومن الصعب، بصرف النظر عن النيات الطيبة والدعوات الصالحات ان نرى عمليا سياسة بعيدة المدى قادرة على تفادي الأزمات. لكن من السهل على أي طرف وعلى اطراف عدة ممارسة فن بالغ الخطورة هو صنع الأزمات. واذا أخذنا بما نسمعه في الخطاب، فان الكل حريص على العمل السياسي تحت سقف الدستور وفي اطار القوانين، واذا كان المقياس هو ما نراه عمليا على المسرح ونسمع عنه في الكواليس، فان بيت الدستور يبدو بلا سقف.
والسؤال البسيط هو: كيف نعمل تحت سقف الدستور حين نرتكب جريمة الشغور الرئاسي ثلاث مرات ونترك النظام بلا رأس في المرة الأخيرة على مدى اكثر من عامين ونصف عام؟ تحت اي سقف للدستور يتم تعطيل المجلس النيابي على مدى شهور بلا منطق ولا نتيجة سوى الخسارة؟ وأي احتكام الى الدستور يسمح للمجلس بالتمديد لنفسه دورة كاملة على مرحلتين من دون اي سبب حقيقي يمنع اجراء الانتخابات النيابية كما اجريت الانتخابات البلدية؟ ألم تفرض الحسابات والظروف حتى على المجلس الدستوري المواءمة بالامتناع عن ابطال قانون التمديد، بحيث جاء القرار مختلفا عن حيثياته؟ وهل تحت سقف الدستور ينخرط حزب الله في حرب سوريا، ولو قيل ان مشاركته منعت وصول داعش والنصرة وارهابهما الى لبنان، بصرف النظر عن الاسباب والحسابات الاقليمية وراء القرار؟
هزلت أيها السادة.