IMLebanon

الداعشية السياسية!

يختلف مفهوم حرية التعبير عن الرأي بين بلد وآخر، وبين فكر سياسي وآخر.. ولكن تتفق عليه الأعراف والقوانين في العالم أجمع لتضع خطاً أحمر أمام التعدّي على مصالح النّاس واقتحام المؤسسات الرسمية. وحين قرّر الجنرال عون إخراج شبابه من جامعاتهم وأعمالهم وإعادة الخطاب إلى الشارع، في خطوة رجعية أعادت عقارب الساعة عشرين عاماً إلى الوراء،  ووضعت الجمهور العوني من جديد في مواجهة مع المؤسسة العسكرية والرسمية للدولة، لم يرد على ميزان حساباته التوقيت لهذه الخطوة، في بداية موسم سياحي واعد، حيث نسبة الوافدين تسجل أرقاماً لا بأس بها كبارقة أمل لتعويض بعض الركود الاقتصادي الحاصل نتيجة التجاذبات اللامتناهية، والتي عطّلت مؤسسات الدولة ومددت للفراغ في الكرسي الرئاسي، وتعمل جاهدة لإبقاء لبنان ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات.

إن الفرق بين حرية التعبير والشغب خط رفيع ينقطع مع رفع الشعارات الحزبية والطائفية المقيتة واستفزاز الشارع الآخر في محاولة لنقل النيران الخارجية إلى الداخل، فأية شراكة تتحقق في الشارع، وأي مستقبل لوطن تمتهن فئة منه لغة الوعيد والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا لم تخضع الدولة لمطالبهم؟ لقد استهلك العماد عون أسلوبه التعبوي عند كل منعطف، وأثبت للمرة المليون أن لا رؤية سياسية ولا مشروع سياسياً سوى إلغاء الآخر، والأدهى أن قسماً من اللبنانيين لم يتعلم من دروس الماضي، ولا يزال حتى اليوم يَتبَع قياداته من دون الحد الأدنى من المساءلة العقلانية حول عواقب القرارات وارتداداتها السلبية على الاستقرار الداخلي.

ألم تستوعب القيادات بعد أن اللبنانيين كفروا بالسياسة ولم يعد يهمّ من يَتبوّأ الكرسي الرئاسي أو أي مركز عسكري أو سياسي لطالما السلم الأهلي محفوظ والعيش المشترك مصان؟

أما أن يستفحل جنون العظمة واختصار شعب بفريق يعتبر، على طريقة حساباته الغريبة، أنه أكثرية وأن إرادته هي الشرعية الوطنية!

أما إساءة استخدام المراكز الرسمية والوزارات عبر عقد اجتماعات حزبية وفئوية فيها، كان قصر بسترس آخر مسرح لها، فهو إن دل على شيء إنما يدل على فكر سياسي يستبيح كل مكونات الدولة لأغراضه الخاصة من دون أن يكون للمصلحة الوطنية أي اعتبار، وهو بالتالي مرفوض وينافي كل المبادئ التي استدرج الشباب العوني إلى الشارع لأجلها.

حضرة الجنرال، شكراً لافتتاحك موسماً صيفياً ساخناً وواعداً، شكراً لإعادة عقارب ساعاتنا سنوات إلى الخلف حاولنا جميعاً طيّها ونسيانها، وشكراً لكشف الستار عن حقيقة نوايا لا تخدم إلا صاحبها وتدفع بالوطن ومَن فيه نحو فصل جديد من التخلف والغوغائية!