المدة الفاصلة عن موعد دعوة الهيئات الناخبة لا تبدو كافية للاتفاق على مشروع قانون جديد للانتخابات.
فاجتماعات اللجنة الرباعية على مستوى الخبراء المنتدبين من الأحزاب والقوى الأربع لا تزال نقاشاتها تدور في الحلقة المفرغة وفي إطار المشاريع التي طُرحت سابقاً وجوبهت باعتراضات اساسية. وفي الوقت نفسه لم تظهر أيّ مشاريع او اقتراحات جديدة جدّية وسط تمترس القوى الأساسية وراء “لاءاتها”، وقد جاء موقف النائب وليد جنبلاط أمس ضمن هذا السياق.
ما يعني أنّ المهلة الدستورية ستنقضي من دون أن يوقّع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون دعوة الهيئات الناخبة، ليصبح معها إجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها، أي في شهر أيار المقبل مستحيلاً أو لاغياً، لكنّ هذا الأمر ليس نهاية المطاف، لا بل على العكس.
ذلك أنّ جميع القوى السياسية تدرك أنّ الانتخابات يجب ان تحصل وأن لا رغبة داخلية ولا دولية بالدخول في تمديد ثالث لمجلس النواب ولو لمدة سنة، لأنّ ذلك وفي حال حصوله سيؤدّي الى ضرب “الدينامية” الإيجابية التي أحدثها انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري تحت مظلّة اتفاق إقليمي رعَته كلّ من إيران والسعودية في خطوة نادرة وسط نزاع عنيف بينهما يطاول ساحات المنطقة منذ سنوات.
وهو ما يعني استطراداً استعادة نغمة التآكل الداخلي، خصوصا أنّ رئيس الجمهورية الذي وضع معادلة الفراغ بدلاً من التمديد سيكون في مواجهة مستمرة مع المجلس في حال جدَّد لنفسه. أما في حال الفراغ، فهذا سيعني تشريع الابواب امام احتمالات جديدة بعضها يلامس إعادة البحث في تكوين السلطة، وهو ما لا يحظى بموافقة خارجية خصوصاً بين إيران والسعودية في المرحلة الراهنة على الاقل لألف سبب وسبب.
ما يعني أنّ هذه القوى والأحزاب اللبنانية التي ستدخل مرحلة ما بعد 21 شباط الجاري باتت تدرك أنها ملزَمة العمل لإيجاد مخرج لأزمة سياسية هي الثانية منذ انتخاب عون رئيساً للجمهورية، بعد أزمة اولى على مستوى تشكيل الحكومة، لكنها أخطر وأصعب وأكثر حساسية.
جنبلاط أدلى بدلوه امس متمسّكاً بموقفه النهائي الرافض أيّ شكل من اشكال النسبية مورداً ذلك بعبارات لطيفة لكنّها تضمّنت صلابة في الموقف، مع إبداء موافقته على تعديلات على القانون الحالي وقبوله بإنقاص حصته.
وفي الكواليس كلام أكبر لجنبلاط يورد فيه أن لا سقف لموقفه الرافض للنسبية بأيّ شكل ترد فيه، وأنه حتى لو مشى الجميع وتمّ إقرار قانون جديد ووصلنا الى الانتخابات، فالجبل بكلّ مناطقه سيكون خارج العملية الانتخابية حيث سيمنع الناس وصول صناديق الاقتراع الى مراكزها.
والى جانب جنبلاط، أو بالاحرى خلفه، يقف الرئيس سعد الحريري الذي وعلى رغم نفيه يجتاح الصقيع خطّ التواصل بينه وبين قصر بعبدا.
هو كان يأمل في أن تسمح له المعادلة الجدّية التي رسا عليها وصول عون الى قصر بعبدا باستعادته زمام المبادرة في الشارع السنّي، مستفيداً من عودته الى رئاسة الحكومة.
وحُكيَ كثيراً عن تلميحه الى تأجيل الانتخابات النيابية حتى السنة المقبلة خلال مفاوضات ما قبل تبنّي ترشيح عون، لكن على أن تُجرى وفق القانون المعمول به حالياً. لكنّ خياراته الانتخابية لا تبدو كثيرة ما يضع وزنه النيابي وبالتالي حضوره السياسي على المحك في حال إعتُمدت النسبية.
وخلف الحريري وجنبلاط، يقف رئيس مجلس النواب نبيه بري واضعاً اللوم على السياسة الخاطئة التي انتهجها الحريري خصوصاً، ولو أنه أبلغ اليهما أنه سيبقى الى جانبهما، ولكن من دون أن يتولّى دور رأس حربة المواجهة.
وفي ما يشبه “الشماتة”، قيل إنّ برّي قال لمحسوبين على الحريري وجنبلاط إنه عندما طلب التفاهم على سلّة بنود تشكل المدخل الصحيح لانتخاب عون تجاوز الجميع موقفه، ومن ثمّ صُوِّر ما حصل وكأنه مواجهة شيعية مع المسيحيين.
وتابع بري، حسبما نقل عنه، “طالبت بالتفاهم المسبَق على الحكومة والانتخابات النيابية وهذا ما لم تفعلوه، لذلك دبّروا أموركم مع أنني في نهاية المطاف لن أمشي بقانون إنتخابي لا يحظى بموافقتكما”.
ووفق هذه الصورة يدخل الجميع في عمق المأزق وهو ما ستشهده الأسابيع المقبلة، لكنّ التفاهم على حلّ بعد خفض “سقوف” جميع الاطراف قابل للحصول للأسباب الآتية:
1 – حصول الانتخابات مسألة حتمية وآخر مهلة منطقية لحصولها هي في أواخر ايلول المقبل بسبب حال الطقس ودخول المدارس ووضع القرى والمناطق الجبلية اضافة الى واقع مراكز الاقتراع.
2 – هناك مدة لا بأس بها للمجلس النيابي تسمح له بإنجاز القانون الجديد وتمتد الى 21 حزيران موعد انتهاء ولايته، ولأنّ الفراغ سيواجَه بالتمديد الذاتي، فهذا يعني أنّ البديل من الاتفاق سيكون الفوضى مع ما يفتح على ذلك من أبواب كبيرة يستحيل إقفالها فيما بعد.
3 – صحيح أنّ العلاقة ستسوء اكثر بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بسبب النزاع الصامت الدائر حول قانون الانتخابات، لكنّ الطرفين محكومان بتعاون حكومي حيث الملفات والاستحقاقات كثيرة وكبيرة ما يحتّم عليهما عدم الذهاب بعيداً، وبالتالي عدم قطع طرق التواصل والتفاهم لاحقاً للخروج من المأزق بحلول معقولة تحفظ ماء وجه الجميع وتسمح باستعادة أجواء التعاون لاحقاً.
4 – يبدو “حزب الله” وكأنه باشر في شق طريق تسمح بأن تكون مخرجاً وهو الذي يتمسّّك بالنسبية الكاملة أو من خلال 13 أو 15 دائرة. ويرتكز تصوّر “حزب الله” على شرطين:
أولاً، المعيار الواحد لكلّ المناطق. وثانياً، إدخال إصلاحات جدّية وفعلية وحقيقية على النظام الانتخابي المعمول به حالياً.