IMLebanon

الشلل السياسي والاقتصادي عقاب جماعي آخر

 

ليس أمرا قليل الدلالات زيادة تعقيد أزمة بالغة التعقيد أصلا. وكما في التهدئة كذلك في التصعيد: لا ضمان مؤكدا للدفع نحو تسوية. فلا استقالة الرئيس سعد الحريري كانت صاعقة في سماء صافية هنا وفي المنطقة. ولا احتدام المواجهة بين ايران والسعودية مرتبط فقط باللعبة في لبنان. ومن الصعب تصوّر الحريري يقول في بيروت كلاما مختلفا عما قاله في الرياض، بصرف النظر عن ظروف إقامته هناك، لأن المسألة تتجاوز المكان، على أهميته ودلالته، الى الزمان المتغير. والأصعب هو الاستمرار في ادارة الاستقالة كأنها تدور في بلد آخر، وكأن رئيس الحكومة لم يربطها بخلل في التسوية السياسية ولم يحدّد طريق التراجع عنها بالعودة الى النأي بالنفس عن صراعات المحاور.

 

ذلك ان الخلل في التسوية السياسية لم يحدث سهوا أو بالغلط بل ضمن أجندة دقت ساعة التقدّم بخطوات واسعة على طريق تحقيقها. لكن الكل يعرف ان أخذ لبنان بالكامل الى المحور الايراني مهمة مستحيلة وخطرة. كذلك أخذه بالكامل الى المحور السعودي. وما كان المحتوى العملي لسياسة النأي بالنفس هو إمكان التوازن بين النفوذين الايراني والسعودي في لبنان. وهذا أمر لم يبق ممكنا بعدما اندفع المحور الذي يرى انه سجل انتصارات في سوريا ولبنان على حساب المحور الآخر في السعي لتوظيفها سياسيا في لبنان بما أحرج الحريري وفريقه. ولم يعد ممكنا بالطبع بعد تصعيد المواجهة بين طهران والرياض في المنطقة كلها، وإقرار الرئيس دونالد ترامب استراتيجية كبح النفوذ الايراني وقطع الأذرع الاقليمية لطهران.

والمشكلة فوق ذلك اننا نسير بعيون مفتوحة صوب الخطر، بدل أن نستمر في تجنّبه، ولو بنجاح محدود. وما أكثر سيناريوهات المخاطر على لبنان. بعضها محلّ أخذ وردّ بين من يتوقع حربا اسرائيلية واسعة على جبهتي لبنان وسوريا تحت عنوان القضاء على الأذرع الايرانية وبين من يستبعد حربا على المدى المنظور من دون قدرة أحد على التأكيد. وبعضها الآخر مؤامرات في باب الخيال الذي كشفت تجارب الأيام الماضية غنى اللبنانيين به.

لكن الخطر المؤكد، وسط التطمينات التي نسمعها يوميا، هو اصابة لبنان بالشلل السياسي، أقلّه حتى الانتخابات النيابية، وطبعا بالشلل الاقتصادي، حتى مع بقاء الأمن مضبوطا. وهذا عقاب جماعي للبنان أكبر من أي عقاب تفرضه عليه أية دولة أو مجموعة. فلا من مصلحة الوطن الصغير أن يصبح رأسه مكشوفا عربيا. ولا عودة الحريري من دون تصحيح الخلل في التسوية السياسية سوى فصل آخر في الأزمة مثل اللاعودة.